الإرهاب الفكرى - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإرهاب الفكرى

نشر فى : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:40 ص

وفقا لما أعلنه الرئيس السيسى فإن الانتخابات البرلمانية ستجرى قبل شهر مارس القادم، أى فى غضون أربعة أشهر لا أكثر. وربما كان الصحيح أن نتوقع ــ أى يتوقع الشعب المصرى والشعوب العربية أيضا ــ أن يكون خطر الإرهاب قد زال قبل ذلك لكى تجرى الانتخابات البرلمانية فى جو سلمى وسليم.

وهنا يصح لنا أن نتساءل إذا كان الجو السلمى المفروض أن تجرى فيه الانتخابات هو الجو الذى يكون شعبنا قد تخلص كلية من الإرهاب، على الأقل فى صورته الداخلية. ولابد أن نتساءل إذا كان المفروض هنا هو الإرهاب الفكرى أو الإرهاب العملى. ولابد لنا عند هذه النقطة أن نؤكد أن صناعة الإرهاب الفكرى هى البداية لصناعة كل إرهاب. بل إن بإمكاننا التأكيد بأنه فى غياب الإرهاب الفكرى تغيب كل أشكال الإرهاب الأخرى. فإرهاب الفكر هو خالق كل أنواع الإرهاب الأخرى. الإرهاب الفكرى هو بداية كل ارهاب آخر. وأخشى ما يجب ان نخشاه هو الارهاب الفكرى. بل ان خطر الإرهاب هو أشد الأخطار. أشد خطرا من حرب التحرير ومن اى شكل آخر من أشكال الحرب الاخرى. وفى غياب الارهاب الفكرى تغيب انواع الارهاب الاخرى.

واذا سلمنا بأن منظمة داعش الارهابية قد استطاعت أن تدخل مصر فان خطر الارهاب يكون قد دخلها سواء تمكن من تجنيد بعض المصريين ــ غالبا من جماعة الاخوان ــ أو لم يتمكن من تجنيدهم واكتفى بأعداد صغيرة أو كبيرة من الارهابيين من غير المصريين.

والحرب على الإرهاب ليست حربا إرهابية. تماما مثل قولنا إن المقاومة ليست حربا إنما هى مقاومة بالدرجة الاولى ترمى إلى التخلص من حرب فرضت من الخارج على الوطن. وما علينا إلا أن نقاوم أى حرب تفرض علينا من الخارج سواء كانت حربا فى صورة غزو خارجى أو حربا إرهابية تريد أن تفرض على الوطن سيطرة إرهابية تزعم تأييدا داخليا أيا كان حجمه أو شكله. والحرب على الإرهاب تزداد صعوبة كلما كان الداخل الوطنى يملك نسبة تأييد. واذا ارتفعت نسبة التأييد الداخلى هذه كلما زادت صعوبة مقاومتها. وليس هذا هو الوضع فى مصر. إن الوضع فى مصر قد برهن على طول الخط أن الجماهير المصرية ترفض تماما أى تدخل ارهابى خارجى رفضها لأى تدخل ولأى إرهاب. ويصل هذا الرفض إلى درجة القدرة على مواجهة ومقاومة التدخل سواء كان هذا التدخل من الخارج وظل فى الخارج، أو كان هذا التدخل قد تمكن بشكل او بآخر من ان يفرض نفسه بأى درجة من الخطورة فى الداخل.

•••

إن مجرد اطلاق تسمية التدخل الارهابى الخارجى على أى قدر من المحاولة الخارجية، سواء عنت هذه التسمية تمكنا من فرض درجة من السيطرة الخارجية على مجموعة أيا كان حجمها فى الداخل، المصرى فى حالتنا هذه. والأمر الذى لا شك فيه أن ظروف مصر الخاصة جعلتها جغرافيا أقرب إلى التواصل مع قوى مصرية حرص الاستعمار الخارجى على اعتبارها قوى خارجية لمجرد أنها تنتمى إلى سيناء المصرية، أو مع قوى غير مصرية تمكنت من الإقامة فى سيناء وإن لم ترتكز على وجود مصرى وإنما ارتكزت على وجود فلسطينى قريب من أرض فلسطين فى غزة. وباختصار فإن الواقع المعقد فى سيناء المصرية قد خلق حالة معقدة سمحت، أو ربما تكون قد سمحت، لقوى خارجية غير مصرية بأن تجد فى سيناء انتماء من نوع ما قريب أو بعيد.

لقد زعمت جماعة من تنظيم داعش أن لها وجودا فى مصر. ووصلت فى زعمها إلى حد الادعاء بأن هذا الوجود أصيل ووطنى إلى جانب كونه معارضا للسلطة المدنية المصرية والى جانب كونه معارضا للسلطة العسكرية المصرية ممثلة فى الجيش. وكان من الطبيعى أن لا تقترب فى هذا الادعاء من ذكر أى رقم لعدد اولئك الذين ينتمون اليها والذين اطلقت زعمها بانهم مصريون او عرب او مسلمون. وقد كانت مقاومة هذا الوجود الخارجى واجبا وطنيا مصريا اعتبرتها السلطات العسكرية المصرية واجبا حتميا يستدعى توجيه ضربات عسكرية مشددة اليها. وهذا هو ما تم بالفعل. ولم تعد هناك أية محاولة للطعن فى أحقية القوات المسلحة المصرية فى توجيه هذه الضربات. وليس هناك ما يمكن أن يمنع انتهاء هذا التدخل الارهابى فى الارض المصرية وضد القوى المصرية العسكرية أو المدنية سواء فى سيناء أو خارج اطارها الجغرافى. ولكن سلوكيات هذا التنظيم المسمى داعش يمكن أن تسفر عن زعم جديد بأنها باقية وحية وقادرة على توجيه ضربات أخرى إلى أى منطقة مصرية فى سيناء أو خارج سيناء.

•••

إن الواقع المصرى الحالى يؤكد أنه لا مجال لأى تنظيم ارهابى ليحقق نتيجة عملية ضد القوات المسلحة المصرية أو ضد الوجود المدنى المصرى. أما ان تحاول هذه المنظمة او تلك من منظمات الارهاب التى برزت فى هذه الايام ان تثبت وجودها ــ مجرد اثبات الوجود بصرف النظر عن جدوى أو معنى هذا الوجود ــ فليس أمرا مستبعدا تماما. إنما الامر المؤكد أنه لن يزيد عن مظاهرة عنف بلا جدوى. فهذا هو الواقع المصرى ومدى اختلافه عن الواقع العربى فى أى مكان آخر خارج الحدود المصرية. وهذا هو واقع القدرة المصرية ــ خاصة فى ضوء ما اثبتته الثورة المصرية وما برهنت عليه علاقة هذه الثورة بالقوات المسلحة المصرية.

لقد تخطى الإرهاب المعادى لمصر حدود كونه إرهابا فكريا. لكن التصدى لهذا الإرهاب من جانب مصر تخطى كل الحدود التى يمكن أن تمكنه من مقاومة هذا الإرهاب والقضاء عليه.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات