الإنسان ــــ نفسا - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ــــ نفسا

نشر فى : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:56 ص

(1)

نفس الإنسان هى سر حياته، وهى همزة الوصل بين الروح الإلهية وبين ذات الإنسان. فالروح الإلهية واحدة تتولى توصيل الحياة إلى كل الأنفس الحية، بل إلى المخلوقات التى وهبت لها حياة مثل النباتات والحيوان، وهى التى تموت فيموت الجسد بموتها. والنفس أيضا هى القائد والدافع الحافز الذى يسوق الإنسان لجميع التصرفات الإيجابية والسلبية. نعم فالنفس قوة فاعلة تهيئ لصاحبها كل شىء، مثل: «السكين» ضرورى لتقطيع الطعام، ولكنه يستعمل فى القتل.

وتزكية النفس تبدأ بتخليتها من الشرور والآثام، فكما تحب النفس أن تعيش، يجب عليها ألا تتعدى على أى نفس أخرى فتقتلها ((وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ..))، كذلك كما تحب النفس لذاتها الخير، فيجب أن تحب الخير للآخرين وتسعى فى توصيله لهم، فلا تبخل النفس المؤمنة على المحتاجين بما تملكه، فقد حذرها الله قائلا: ((.. وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ..))، وزاد تحذيره فقال: ((وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ..))، وزاد التحذير وعيدا فقال: ((وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى))، وتوعد قائلا: ((.. سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..))

(2)

والنفس تسول لصاحبها أن يترفع دائما عن الناس، وأن يستعلى عليهم إما تفاخرا، وإما عدوانا وبغيا، فترى الإنسان قد استجاب لشهوات النفس وشرع يزكى نفسه ويدعى لها الكمال. وقد يغريه الشيطان فيبدأ تزكية نفسه قائلا: «تحدثا بنعمة الله، أنا صفتى كذا، وأفعل من الخيرات كذا». يظن أنه بقوله هذا لم يرتكب إثما، علما بأن الله جل جلاله قد نهى عن تزكية النفس، فلا يصح أن يشهد أحد لنفسه، قال تعالى: ((فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى..)). فالمطلوب تربية النفس وتدريبها على ترك السوء ثم فعل الخيرات، ثم التنافس والتسابق فى فعل الخيرات، قال تعالى: ((مَنْ تزكّى فَإِنَّمَا يَتزكّى لِنَفْسِه..)).

(3)

والنفس الزكية تلتزم كريم الأخلاق وحسن العادات، فترى صاحبها لا يدخل إلى مكان دون استئذان، وإذا منع من الدخول رجع مسرعا، قال تعالى: ((..وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ..)). والنفس الزكية لا تغير الحقيقة ولا تكتمها، بل تعلنها بشفافية ولا تكتم الشهادة حين تطلب منها، قال تعالى: ((.. وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ..)). والعاقل يسيطر على شهواته، فلا يتشوف فى طعام أو شراب ((..ك ُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا..))، ولا ينزلق إلى الغيبة والنميمة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))

(4)

والبغض والحسد أمراض إذا تمكنت من القلب أفسدته، فتفسد نفسه، فتراه مشغولا بالناس يحسدهم على ما آتاهم الله وينسى أن يسأل الله أن يعطيه مثل ما أعطاهم، ولو علم الحاسدون أن النعمة التى يحسدونها عند الناس تسارع قائلة لهم: «أيها الحاسدون أنتم تكرهوننى وأنا بعيدة عنكم، فوالله لا آت إليكم أبدا». والمكر والخديعة ليستا من صفات النفس الزكية، بل من صفات الأنفس المريضة، فقد قال الله: ((..وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)) كما قال جل شأنه: ((..وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ)). وكل كسب يحققه الإنسان بمكره وخديعته فإنما هو كسب سريع التبخر والانصراف.

(5)

ولقد رسم القرآن طريق الخروج من الخسران والهلاك، فقال جل شأنه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))

فهل نغير ما نحن فيه من مكر وخداع وكذب واستهتار؟

فهل نغير ما درجنا عليه من طمع وجشع وتشوق إلى حقوق الغير؟

فهل نغير ما نحن فيه من تقصير وخمول وكسل وعجز؟

فإذا استطاع الإنسان أن يغير نفسه، فإن المقادير الإلهية تسرع فى التغيير وتتجاوب مع فاعل الخير والساعى إليه والدال عليه.. ألم تسمع قوله تعالى: ((هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ))؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات