رسالة خطرة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة خطرة

نشر فى : السبت 21 نوفمبر 2015 - 10:35 م | آخر تحديث : السبت 21 نوفمبر 2015 - 10:35 م

فرانسوا أولاند لم يتردد فى إعلان حالة الطوارئ ولم يعترض عليه أحد. وبعد ذلك مباشرة طلب رئيس وزرائه مانويل فانس مد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر إضافية تنتهى أوائل العام المقبل.
وأيضا لم يعترض أحد.. وقوات الشرطة حصلت على سلطات واسعة تمكنها من التحرك بحرية واعتقال المشتبه بهم وصدرت الأوامر لأفراد الشرطة بإطلاق النار فورا على أى مشتبه به يحمل سلاحا. دون أن تخرج أصوات من هنا وهناك تعترض على إجراءات قمعية أو دولة بوليسية وتدافع عن حقوق المتهمين حتى وإن كانوا إرهابيين.. قادة المعارضة والرؤساء السابقون كلهم كانوا على قلب رجل واحد، يدا بيد مع الرئيس أولاند فى مواجهة الإرهاب متجاوزين أى خلاف أو آراء ضيقة. مع احترام وجود رئيس يقرر وينفذ. حتى الدول الكبرى والمنظمات الدولية توقفت عن الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان، ولم تضع قيودا على الدولة الفرنسية تمنعها من أداء واجبها فى حماية مواطنيها وأراضيها.. الدرس المستفاد هو لا محاربة للإرهاب ـ فى ظل قوانين وسياسات وقرارات عادية.
النص أعلاه ورد فى افتتاحية جريدة الأهرام يوم الجمعة الماضى (٢٠/١١) التى جاءت تعليقا على الإجراءات اتخذها الرئيس الفرنسى بعد المقتلة التى ارتكبها الإرهابيون فى فرنسا يوم الجمعة قبل الماضى. وكان واضحا أن التعقيب استخدم ما حدث فى الخارج لتوجيه رسالة إلى الداخل، بعد ابتسار مع جرى فى فرنسا ولى حقائقه وتفاصيله. وكانت خلاصة الرسالة الموجهة إلينا كالتالى: كفوا عن الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان ولا تنتقدوا تجاوزات الشرطة أو قمعها ودعوا الرئيس يقرر وينفذ. وحين حاولت أن أترجم الرسالة كما فهمتها فإننى وجدتها تقول للكافة اخرسوا. ولاتصدعوا رءوسنا بحكاية القانون والحريات وحقوق الإنسان، وطالما أن الرئيس يقرر وينفذ فالوطن بخير.
الصورة التى قدمتها افتتاحية الأهرام. التى أرجو أن تكون معبرة عن الجريدة فقط، مغلوطة فى فكرتها وتفاصيلها وخطرة فى مغزاها. إذ ليس صحيحا أن الرئيس الفرنسى ظل الشخصية المحورية فيما اتخذ من إجراءات. حتى قرار إعلان الطوارئ لمدة ١٢ يوما الذى يسمح له القانون بأن ينفرد بإصداره لمواجهة الخطر الذى يتهدد البلاد لم يتخذه إلا بعد التشاور مع رئيسى مجلس الشيوخ والنواب وكذلك رؤساء مختلف الأحزاب السياسية. ومد الطوارئ بعد تلك الأيام الاثنى عشر لا يتم إلا بناء على قانون أصدرته الجمعية الوطنية، التى حددت منتصف ليل ٢٥ فبراير المقبل موعدا لانتهاء الطوارئ. وليس صحيحا أن الرئيس أطلقت يده فى التقرير والتنفيذ ولا أن الشرطة أطلقت يدها فى ممارسة القمع. ولا حقوق الإنسان طويت صفحتها وأهدرت، وإنما خضعت كل تلك الممارسات للقانون ولرقابة القضاء.
خطورة الرسالة تتمثل فى أنها استلهمت النصوص الفرعونية القديمة التى تحدثت عن محورية الملك الإله، حورس (الإله الصقر) أو إله الشمس رع. وتلك الخطورة لا تكمن فى مضمون الرسالة فحسب، وإنما فى دلالتها وسياقها أيضا. ذلك أن من يتابع ما تبثه وسائل الإعلام المصرية الموالية للرئيس يلاحظ أن لغة تقديس الحاكم واضحة فيما يكتب ويقرأ. فمعارضته خيانة ونقد سياساته جريمة والصعوبات التى تواجهه مؤامرة. ونصحه تطاول يتجاوز حدود اللياقة والأدب.. إلخ
فى أحسن الفروض فإن مثل هذه الأوصاف تعبر عن إفراط شديد فى الحساسية ومؤشر على تزايد ضيق الصدر يعبر عنه الرئيس بلغة مهذبة أحيانا، ويترجمها الموالون والمؤسسة الأمنية إلى ممارسات تسىء إلى الرئيس وإلى نظامه، وتشيع حالة من البلبلة والقلق في المجال العام. يرفع من وتيرة البلبلة والقلق أن تلك الممارسات والأوصاف حتى تطلق فى الفضاء الإعلامى فإنها لا تخضع من جانب الجهات الرسمية لأية تصويب أو مراجعة أو حتى نفى تعبيرها عن الرئيس أو السلطة. واستمرار ذلك الصمت يفسر بحسبانه قبولا وتأييدا. من ثم يتم التعامل مع تلك الاتهامات علي أنها تعبر عن موقف السلطة وليست آراء محسوبة على أصحابها.
وقعت أخيرا على تقرير تحدث عن عودة النهج السوفييتى إلى روسيا الراهنة حيث يرى الحقوقيون أنه فى ظله أصبح كل مواطن ناقدا كان أم معارضا خائنا إلى أن يثبت العكس. ووجدت أن المقدمات التى نلحظها فى خطابنا الإعلامى تمهد للوصول إلى تلك المرحلة. خصوصا أن إطلاق تهمة الخيانة صار متداولا بعدما كان البعض يستحون من استخدامه ويكتفون بالغمز فى قناة من يريدون عبر اتهامهم بأنهم من «الطابور الخامس». فحين طرح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية فكرة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فإن الرد الوحيد على فكرته تمثل فى اتهامه بالخيانة. بل إن رئيس محكمة الجنايات وصف فى حوار صحفى له من ينتقدون القضاة بأنهم خونة. إن شبح اقتباس النهج السوفييتى يلوح فى الأفق بقوة هذه الأيام، الأمر الذى لا يطمئننا الى ما ستأتى به الأيام القادمة.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.