سامر سليمان ودولته الضعيفة والنظام القوى - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سامر سليمان ودولته الضعيفة والنظام القوى

نشر فى : الأربعاء 21 ديسمبر 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 ديسمبر 2016 - 10:50 م
تحل الذكرى الرابعة لصديقى وأستاذى سامر سليمان فى نهاية الشهر الحالى، وعلى الرغم من غيابه عنا إلا أن أطروحاته الأساسية فى كتابه العمدة «الدولة الضعيفة والنظام القوى: إدارة الأزمة المالية فى عهد مبارك»، والذى طبع لأول مرة فى ٢٠٠٥ لا تزال حاضرة بشدة، بل ويمكن اعتبارها مداخل مفتاحية لفهم أزمة الدولة فى مصر بعد ثورة يناير ٢٠١١ وما تلاها من تطورات سياسية واقتصادية، وهو ما يستدعى انتهاز فرصة إحياء الذكرى للتذكير بمساهمة سامر فى النقاش الذى من المفترض وربما من الواجب أن يكون دائرا سواء فى الدوائر الأكاديمية أو عند صانعى السياسات بالإضافة للجمهور الواسع من المتأثرين بالأوضاع الاقتصادية فى حياتهم اليومية.
***
طرح كتاب الدولة الضعيفة والنظام القوى طرحا بسيطا لكن قويا حول مؤسسات الدولة فى مصر وفى الكثير من أنحاء العالم العربى، وهى أنها دول ضعيفة وإن كانت سلطوية، وهو ما حدا بسامر للفصل بين الدولة والنظام فى رؤيته لمصر أثناء حكم مبارك، فالدول العربية ضعيفة لأنها تملك أجهزة بيروقراطية كبيرة فى الحجم وذات صلاحيات موسعة، ولكن بكفاءة وفاعلية محدودة لا تمكن الدولة من صياغة وتطبيق سياسات عامة كفيلة بإجراء التحولات الاقتصادية أو الاجتماعية المطلوبة أو المستهدفة بدءا من عدم القدرة على تحصيل ضرائب مباشرة من أصحاب الدخول والملكيات الكبيرة ومرورا بعجزها عن تنظيم الأسواق بما يحول دون الممارسات الاحتكارية التى تخل بمنطق المنافسة وتولد أرباحا للبعض على حساب القاعدة الأوسع من منافسيهم ومن المستهلكين أو الحد من البناء المخالف وانتشار ما تسميه الحكومة بالعشوائيات، وانتهاء بعدم القدرة على تنظيم المرور وانقضاء ما يقرب من عشر سنوات فى إقناع أو إجبار أصحاب المقطورات على عدم السير على الطرق السريعة.
هذه كلها ملامح لدول غير قادرة على تحقيق أى اختراق فى المجتمعات التى تحكمها، وهو ما قد يفسر الفشل التاريخى لغالب هذه الدول منذ استقلالها قبل ستين سنة فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وفى المقابل فإن هذا الضعف والفشل طبقا لسامر يقابله وجود نظم سياسية «قوية» بمعنى قمعية قادرة على البقاء فى السلطة فى مواجهة أى معارضة لها باستخدام إما أدوات أمنية أو أدوات مالية لشراء ولاء الشرائح الاجتماعية المهمة من أجل الاستقرار، وهو الأمر الذى كان قائما بامتياز قبل الثورات العربية فى ٢٠١١، وإن كان من المثير كثيرا النظر إلى قدرة أغلب النظم السلطوية فى المنطقة على الاستمرار أو إعادة إنتاج نفسها فى مواجهة أو بعد انحسار المد الاحتجاجى، وهو ما يجعل مقولة سامر سليمان ذات صلة وأهمية كبرى لما يجرى اليوم.
***
لقد كانت البلدان العربية ضمن بلدان أخرى فى العالم الثالث عند نيلها الاستقلال فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى معتمدة على دور جوهرى للدولة فى تحقيق التنمية والتحديث سواء فيما يتعلق بالانتقال نحو التصنيع أو نشر التعليم والرعاية الصحية وتحسين وضع النساء، وكان من هنا التصور أن الدولة باعتبارها التجلى السياسى لإرادة الشعوب الحائزة على استقلالها حديثا ستكون هى قاطرة التنمية والتحول الاقتصادى والاجتماعى، وقد انعكس هذا فى المجالات الواسعة التى أمست مفتوحة أمام تدخل الدولة سواء من خلال ملكية أدوات الإنتاج بشكل مباشر أو من خلال تنظيم النشاط الاقتصادى والعلاقات الاجتماعية، وتضخمت الأجهزة البيروقراطية للدولة كى تقوم بهذه المهام حتى أضحت تتحكم فى الكثير من الموارد الاقتصادية والبشرية.
لكن بعد مرور عقود على الاستقلال يمكن القول عامة إن الدول فى العالم العربى لم تحقق الكثير مما كان موعودا، وأن غالب هذه الدول قد تحول لعبء بشكل أو بآخر؛ فاقتصاديا كان أنصار التحرير وإطلاق قوى السوق منذ الثمانينيات والتسعينيات يرون الدولة مصدر استهلاك للموارد النادرة، ومصدرا للتشويه الاقتصادى علاوة على غياب كفاءة الأجهزة البيروقراطية المنظمة للاقتصاد وشيوع الفساد فيها، وقد كان هؤلاء يأملون فى أوج هيمنة الفكر الليبرالى الجديد خاصة مع انتهاء الحرب الباردة، أن يؤدى السوق ما لم تؤده الدول، ولكن السنوات التى تلت هذا أظهرت أنه ما من شىء يمكن أن يعوض دور الدولة، وأن حتى نشأة نظام اقتصادى حر قائم على السوق ليس ممكنا ما لم تكن هناك مؤسسات تضمن حرية التبادل وحكم القانون وإنفاذ التعاقدات، وسرعان ما تحولت الإصلاحات الليبرالية الاقتصادية إلى فرص تلقفتها النخب السياسية خالقة لنفسها احتكارات خاصة، وتشابكات مع السلطة السياسية فى علاقات تغلب عليها المحسوبية ويشوبها الكثير من الفساد، وكانت المحصلة المزيد من الفشل فى تحقيق التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، وسقوط شرعية دول ما بعد الاستقلال باعتبارها سلطوية وفاشلة وفاسدة على نحو أفضى لا فحسب لثورات ٢٠١١ بل لانهيار الدول وتفتتها لصالح حالات من الاقتتال الأهلى والفوضى كما نرى فى بلدان مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.
***
اليوم نعود لسؤال الدولة مرة أخرى، ومعه أسئلة سامر سليمان حول قدرة الدولة المؤسسية فى مصر وفى البلدان العربية على تنفيذ أى من وعودها التاريخية بالتنمية وتحسين مستويات المعيشة اقتصاديا واجتماعيا، إن مهمة كهذه لا يمكن أن تتحقق بأدوات غير الدولة لا فحسب بالسوق الحرة ولا بالجمعيات الأهلية ولا بالداعمين والمانحين الأجانب أو الإقليميين، ولكن فى الوقت نفسه لا سبيل لتحقيقها بهياكل الدول الحالية سواء إداريا أو فى ضوء علاقتها السياسية مع مجتمعاتها بل الأمر يستلزم تغييرات عميقة وممتدة كى يكون هذا ممكنا على الإطلاق، وهو ما تناوله سامر مرارا فى كتابه وفى مقالاته اللاحقة خاصة بعد ثورة يناير حول الفرص السياسية لإعادة صياغة علاقة الدول بالمجتمع بما يقدم حلولا لمعضلات ضعف الدولة التاريخى ــ وسلطويتها ــ فى المنطقة العربية.

 

التعليقات