عن شوارع اليمن التعيسة أكتب لكم - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن شوارع اليمن التعيسة أكتب لكم

نشر فى : الأحد 22 يناير 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الأحد 22 يناير 2017 - 9:35 م
نشرت صحيفة «رأى اليوم» الأردنية مقالا للكاتبة اليمنية «منى صفوان» تتحدث فيه عن شوارع اليمن. فتقول إن لغالبية الشوارع اسما شعبيا، يحتفظ به الناس، وآخر رسميا تطلقه البلديات كاسم رسمى يجب أن يوثق فى السجلات، فتكون العناوين بالأسماء الرسمية للشوارع خريطة مبهمة المعالم، يجرى تعريفها بالاسم الشعبى الذى يتداوله الناس.

الناس هم أصحاب الشوارع وسادتها، لا يمكن لأى حكومة أن تنافس الناس على سيادتهم، يبقى لها الاسم الرسمى الذى يفقد قيمته وتداوله، حدث ذلك فى شارع «هايل» فى قلب العاصمة صنعاء.

«هايل» هو الاسم الشعبى أو القديم لواحد من أهم الشوارع الحيوية فى المدينة، نسخ الناس الاسم فى وقت لم تكن الحكومة تهتم بأسماء الشوارع الهامشية، حين كان «هايل» هامشيا، أتذكر وقتها كانت المبانى متواضعة، والشوارع مهملة، والمجارى تطفح دون اهتمام، رائحة شارع «هايل» كانت عارا على جبين الحكومة التى لا تهتم.

فى طرف الشارع أو فى بدايته، يقع جامع أبيض أنيق صغير ومتواضع، اسمه جامع «هايل سعيد أنعم»، وهايل هو الأب المؤسس للصورة الشعبية للتاجر اليمنى الخير. هو ببساطة لم يكن يمثل صورة الرأسمالية الجشعة، قدم نفسه كمثال التاجر اليمنى البسيط الودود، السمح، والمتسامح، كما هى طبيعة اليمنى البسيط، الرجل الذى أبقى على كل مصانعه فى اليمن داخل مدينة تعز، فى الحقيقة كان «هايل» التاجر يغطى عجز الحكومة فى تعز.

***

بعد عدة وعود واصلاحات لم تتم، خرج «هايل» من عزلته، وهنا أطلق عليه رسميا اسم شارع «الرياض»، كانت الحكومة قد بدأت بإطلاق اسماء المدن العربية والاسلامية على الشوارع، وترى الكاتبة أن ذلك ربما كان صفقة بين الحكومات العربية، صفقة مجاملات. وأصبح «الرياض» هو الاسم الرسمى لشارع «هايل سابقا».

«هايل سابقا»، بقى هو المسيطر، تندر الناس لفترة على الاسم، وحاولوا الاحتفاظ به، عانوا كثيرا وقتها من «التوهان» وعدم دقة الوصف، فى هذه الأثناء كان «هايل سابقا» قد بدأ يتعافى، كشارع حيوى. بدأ الشارع ينبض بالحياة بعد إصلاح شبكة المجارى فيه، والاهتمام بالنظافة، قبل ذلك كانت سيارات الأجرة ترفض المرور فيه.

***

تستطرد رضوان قائلة قد بدأ الشارع المتواضع يأخذ مكانه على خارطة الشوارع اليمنية، منافسا شارع «جمال» أو الذى كان بمثابة مركز صنعاء التجارى. وشارع جمال من أقدم شوارع صنعاء على أطرافه تقع إذاعة صنعاء العتيقة، المبنى التاريخى الذى يحكى قصة الثورة، بل الذى أذاع بيان الثورة صبيحة 26 سبتمبر 1962 وهو المبنى الذى عاصر حكم ما قبل الثورة أيضا، كمبنى للإذاعة التى تبث أخبار الإمام. الإذاعة وبجوارها شارع «جمال» عاصرا التحول التاريخى لصنعاء، التى تضرب الآن وتقصف من قبل «الرياض».

كل الأحداث السياسية بعد ذلك، كانت هى أخبار إذاعة صنعاء، «جمال» المجاور لشارع الإذاعة، أيضا شارع سياسى بامتياز، خاصة اسمه الكامل هو «شارع جمال عبدالناصر» وفيه تقع السفارة المصرية.

شارع «جمال» هو الاسم الرسمى والشعبى للشارع، حيث زار الرئيس «جمال عبدالناصر» تعز بعد الثورة، وخطب خطبته الشهيرة حين قال : «على بريطانيا أن تحمل عصاها وترحل من اليمن» فى تلك الفترة حين كان يصارع الرياض على باب المندب، تلك الفترة التى نراها على اليوتيوب، ونسمع خطب «جمال».

كان «جمال» متواجد عسكريا فى اليمن، متحديا السعودية، لكنه بعد أن تجرع هزيمة حزيران، واضطر أن ينسحب من اليمن، عرفت اليد السعودية طريقها إلى شوارع البلد المجاور بعد ذلك، ومنها شارع «جمال».

اليمن وقتها، كان البلد حديث العهد بالثورة والجمهورية، فى هذه الأثناء بدأت الشوارع اليمنية فى صنعاء على الخصوص تأخذ طابعها المدنى، وهى الخارجة للتو من مرحلة الحكم الأمامى الترابى الذى حكم بعقلية «عزل اليمن».
بدأت الشوارع تنفتح على الأجواء المدنية، فكان شارع «جمال» هو سوق المدينة، بعد أن كانت السوق الشعبية فى صنعاء القديمة هى السوق الوحيدة فى صنعاء، مازالت هذه الأسواق الشعبية موجودة، فى حوارى المدينة العتيقة، المدينة التاريخية التى تقصفها أيضا «الرياض» اليوم.

وبين كل الشوارع الصنعانية، شارع «جمال» له خصوصية، بما يحفل به من رمز سياسى للمرحلة الجديدة مرحلة ما بعد الثورة والجمهورية «الستينية» التى أخرجت اليمن إلى مرحلة مختلفة تماما، وتأثير جمهورية مصر العربية أو «مصر جمال عبدالناصر» عليها، فقد كان هذا الشارع قبلة اليمنيين الجدد. فى هذه السبعينيات عرفت صنعاء البث التلفزيونى، وإنتاج المسلسلات اليمنية، وخرجت النساء للعمل، والتعليم.

***

تغير شكل صنعاء ــ على حد قول صفوان ــ لكن «الرياض» فعليا كانت على الأبواب، ولا أحد يشعر بهذا المد الناعم، المد المصرى العسكرى والسياسى، بدا ينحصر تدريجيا. فى الثمانينيات بدأت الأمور تتغير ببطء ولم يلاحظها أحد، لدرجة أنها فى التسعينيات ظهرت كأنها ظاهرة تحول طبيعية، بينما فى الحقيقة كان المد الوهابى قد تمدد فى بعض العواصم العربية وشوارعها وبيوتها وإعلامها ومناهجها الدراسية.

مع ذلك ظلت النساء فى الأسواق، سوق العمل وسوق التعليم، وسوق شارع جمال وشارع هايل، قبل أن تعرف صنعاء «المولات» الضخمة. التى كانت دليلا على توسع طبقة اغنياء صنعاء، على الرغم من تفشى الفقر.

بقيت النساء والرجال على حد سواء فى الأسواق الشعبية فى حوارى صنعاء القديمة والعتيقة، وفى شارع «جمال» شارع الثورة الستينية، وشارع «هايل» حيث الطبقة المتوسطة، بقيت النساء والرجال فى كل الشوارع، بكل الطبقات وفى كل الأسواق، يحيون فكرة الحراك الاجتماعى ــ الاقتصادى، ويقاومون فكرة إعادة النساء للبيوت، وفكرة إغلاق أبواب مدينة صنعاء، وفكرة عدم الاختلاط، وفكرة العزل الثقافى والاقتصادى، ويؤكدون فكرة أن الناس هم أصحاب الشوارع وسادتها، مهما اشتعلت فيها الأزمات، وقصفتها الطائرات، واكتظت بالنازحين. وتختتم صفوان أنه مهما تغير الزمن والألوان والأسماء، والدول، والحكومات، فإن للناس طرقهم بالنجاة.
التعليقات