أسامة فوزى وسينما من نوع خاص - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسامة فوزى وسينما من نوع خاص

نشر فى : الثلاثاء 22 يناير 2019 - 1:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يناير 2019 - 1:30 ص

غيب الموت المخرج السينمائى الكبير أسامة فوزى وهو لم يكمل عقده السادس من العمر بعد. وقد أتاحت لى الظروف فرصة التعرف شخصيا على المخرج الراحل منذ أكثر من عشرين سنة، وتحديدا فى صيف عام 1997، وكنت وقتها أتشرف برئاسة مجلس إدارة «جمعية المصريين فى سويسرا»، وقمت، وزملائى فى الجمعية، بالتعاون مع المكتب الإعلامى المصرى فى جنيف، الذى كانت ترأسه آنذاك الإعلامية المتميزة الأستاذة بسيمة نفادى، وبالتعاون أيضا مع منظمة غير حكومية سويسرية معنية بالسينما فى القارة السمراء واسمها «بلاك موفى»، بتنظيم مهرجان للسينما المصرية من خلال عرض أفلام مختارة لأربعة مخرجين مصريين متميزين ومبدعين وتمت دعوة المخرجين الأربعة لحضور فعاليات افتتاح المهرجان والمشاركة فى أيامه، وتنظيم ندوات لهم على هامش المهرجان حضرها النقاد والإعلاميون والصحفيون والجمهور المهتم بالفن السابع عموما وبالسينما الإفريقية والعربية والمصرية على وجه الخصوص، سواء من السويسريين أو الفرنسيين أو من أبناء الجاليات العربية والمصرية المقيمين فى سويسرا وما جاورها من بلدان، خاصة فرنسا. وقد أوجدت حالة الحراك تلك وما صاحبها من فعاليات وما حظيت به من اهتمام وتغطية من جانب الصحافة ووسائل الإعلام حالة رائعة من الترويج الثقافى والفنى والحضارى لمصر فى سويسرا، بل وفى البلدان المجاورة لها فى ذلك الوقت، خاصة فى فرنسا. وكان هؤلاء المخرجون الأربعة هم الأساتذة الكبار: داوود عبدالسيد ومحمد خان وخيرى بشارة وأسامة فوزى.

وكان الراحل أسامة فوزى هو أصغرهم سنا وأحدثهم جيلا، وكان حينذاك قد أخرج فقط أول أفلامه: «عفاريت الأسفلت»، والذى حاز على تقدير كبير من النقاد السينمائيين الجادين فى مصر والوطن العربى، وشهدت بنفسى على مدى أيام المهرجان كيف يحرص المخرجون الثلاثة الكبار الآخرون على الاهتمام بالراحل أسامة فوزى وإبرازه وتشجيعه والإشادة به وبتجرته السينمائية الوليدة وبفكره الجديد الخارج عن الأطر التقليدية والمعتادة للسينما المصرية آنذاك، فقد كان يفكر ويبدع ويخرج «خارج الصندوق»، وكان صادقا فى إبداعه، مخلصا فى عمله وأدائه، منتميا للبيئة التى أنجبته، حيث كان ينظر إلى عمله ليس كمجرد مهنة يكتسب منها قوت يومه، بل كرسالة موجهة لخدمة المواطن العادى والمجتمع والتعبير عن قضايا يعيشها وتحديات يواجهها وآمال يسعى إلى الوصول إليها وأحلام يتطلع إلى تحقيقها على أرض الواقع.

وعلى مدى فترة المهرجان التى وصلت إلى عشرة أيام تقريبا، حظى المخرجون الأربعة وأفلامهم، المعروضة بحضور جماهيرى واسع وكذلك حضور متميز من جانب النقاد المعنيين بالسينما القادمة من بلدان العالم الثالث، باهتمام شديد من جانب النقاد وبإبداء الكثير من الإعجاب وظهرت المقالات والبرامج التلفزيونية التى تتناول المخرجين الأربعة وأفلامهم وتعرب عن التقدير للقيمة الفنية والمدلولات المجتمعية للأفلام المعروضة، وفى هذا السياق العام، وبالرغم من ان الراحل أسامة فوزى كان الوحيد من بين المخرجين الأربعة الذى اقتصرت أفلامه المعروضة على فيلمه الأول، والوحيد فى ذلك الوقت، وهو «عفاريت الأسفلت»، فإنه حظى بنصيب وافر من النقد الإيجابى والإطراء والإشادة من جانب النقاد الذين شاهدوا فيلمه ثم التقوه بشكل شخصى عقب عرض الفيلم، وحاوروه بشكل منفرد أو مع آخرين، وكذلك استمعوا إلى ما قاله فى إطار الندوات وورش العمل التى عقدت على هامش المهرجان، سواء فى كلماته وتدخلاته أو فى الرد على الأسئلة والتعليقات التى طرحت عليه فى سياق تلك الفعاليات.

وقد أحدث الفيلمان التاليان لـ«عفاريت الأسفلت» اللذان أخرجهما الراحل أسامة فوزى، وهما على التوالى «جنة الشياطين» و«بحب السيما»، حالة لا تقل زخما عن فيلمه الأول من حيث الجدل حول مضمونهما، ومن حيث الموضوعات التى تناولها فيهما وما أثارته من نقاش، لم يخل من حدة وسخونة فى بعض الأحيان، كما أديا إلى إحياء حوارات مجتمعية جادة حول قضايا مهمة يعيشها المواطن والمجتمع وتتعلق بالحياة اليومية للبشر وبتفاعلهم وواقعهم وما يدور فى مخيلتهم أو يجول فى خاطرهم. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع وجهات النظر التى طرحها الراحل أسامة فوزى فى أفلامه، يجد المرء نفسه وهو لا يملك إلا احترام وتقدير قيمة ما كان يطرحه الراحل من رؤى فى تلك الأفلام، والسعى لفهمها وتحليلها والاستفادة منها لإضافة أبعاد قد لا تكون موجودة أصلا فى تصور المرء عن الموضوعات والقضايا المطروحة.

وكان كل فيلم يخرجه الراحل أسامة فوزى يفتح عليه أبواب انتقادات، موضوعية أحيانا وغير ذلك أحيانا أخرى، وسواء جاء ذلك من المتخصصين أو ممن يحاول إثارة ضجة أو كسب شهرة أو محاربة الإبداع الفكرى والفنى والثقافى وحرية التعبير عنه، ولكن تبقى حقيقة أن كل من ينظر للأمور بعين منصفة وبدون تحيزات أو آراء مسبقة يدرك حجم الإضافة التى مثلها كل فيلم من الأفلام التى أخرجها أسامة فوزى للسينما المصرية، بل وللمجتمع المصرى ككل، من جهة العمق فى تناول الموضوعات والبعد عن السطحية ومن جهة جدة الرؤية ومن جهة صدق التعبير عما يحمله المخرج من أطروحات.

وبالرغم من رحيله فى سن مبكرة من عمره، وعلى الرغم من قلة عدد الأفلام الروائية الطويلة التى أخرجها الراحل أسامة فوزى (أربعة أعمال فقط)، فقد ترك بصمات واضحة لا تمحى ولا تنسى على مسيرة صناعة السينما المصرية الجادة وتاريخها، وهو ما يستدعى إلى الذاكرة فى هذا الخصوص المخرج المسرحى الموهوب الراحل توفيق عبداللطيف الذى يتصادف هذه الأيام أيضا ذكرى مرور ربع قرن على رحيله، وهو الآخر قد رحل فى سن مبكرة من حياته بعد أن قام بإخراج عدد محدود من المسرحيات لا يتعدى أصابع اليدين للجمهور، ولكنه ترك بدوره أيضا بصمات واضحة فى مسيرة المسرح المصرى الجاد وتاريخه. فكلاهما ترك معنا تراثا باقيا بالكيفية والنوعية المتميزة وإن كان ليس بالكم أو العدد من الأعمال التى كنا نتمناها.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات