الأزهر و«وظيفة الإفتاء» (2-2) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأزهر و«وظيفة الإفتاء» (2-2)

نشر فى : الجمعة 22 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 فبراير 2013 - 8:00 ص

نحمد الله الذى لا يحمد على مكروه سواه.. نحمد الله أن استرد الأزهر «بعض الشىء» مما سلبوه منه، فقد رأى الناس بعد أكثر من نصف قرن أن لجنة من لجان المشيخة أسموها «هيئة كبار العلماء» قد شغلوا أماكنهم باختيار كبيرهم!! رآهم الناس ينتخبون «المرشح لوظيفة الإفتاء» فى ضوء الشروط التى تعجلوها فى إصدار القانون.

 

وحينما أحمد الله على ما أسميه حدث «مكروها» رغم ما فى ظاهره من الأمل، فإنى أعيد التذكير بما ورد فى «القانون المعدل» من الثقوب العجيبة والغريبة:

 

هل تملك هيئة كبار العلماء بالنسبة للمفتى شخصيا أو لدار الإفتاء كمصلحة حكومية أى صلاحية «علمية» أو «إدارية» أو مالية؟

 

فما معنى أن تقوم «هيئة كبار العلماء» بانتخاب «المفتى» دون أن يكون لها أى صلاحية تجاه المنصب أو ما يصدر عنه؟

 

 وما دام دور الاجتهاد الفقهى قد أسنده القانون «لهيئة كبار العلماء» فهل يقتصر عمل المفتى على دوره الاستشارى للمحاكم الجنائية وعلى عمله «الشرفى» فى إعلان رؤية الهلال.

 

كما كان قبل أن يحشروه حشرا فى الساحة العامة؟

 

طبقا للتعديل المتسرع والمشبوه للقانون 103 لسنة 1961 تم انتخاب «مفتى الجمهورية» فضيلة الأستاذ الدكتور  شوقى إبراهيم.. رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر ــ فرع طنطا ــ وهذا الانتخاب قد صادف أهله لأكثر من سبب، فالمفتى الجديد من أهل التخصص العلمى فى الفقه المقارن، كما أنه من أهل الاختصاص الوظيفى ولا ينتمى لـ «غير التوجه الأزهرى العام».

 

خلاصة الأمر: أننا أمام «شخصية جديدة موقرة» رشحت لتشغل منصبا طالما عبثت الدولة به عبثا على مر التاريخ الحديث وإذا أردت أن تعرف أصل هذا العبث فأنت الآن أمام شيخ الأزهر رقم (44) ولكن أمام المفتى رقم (19)؟ فهل تسأل معى: كيف حدث هذا الفرق، وهل كان الإفتاء وظيفة مستحدثة؟

 

الواقع التاريخى الموثق يبين بجلاء عدة حقائق يجب ألا تنسى:

 

أنه منذ وجد الأزهر ووجدت مشيخته كانت «المشيخة» كمؤسسة علمية هى وحدها صاحبة العمل الشرعى كله بما فيه الإفتاء وذلك حتى قرب نهاية القرن (19).

 

إن النظام الإدارى فى مصر فى القرون السابقة كان يتضمن وظيفة مفتى فى كل ديوان حكومى، وكان ذلك بمثابة الشئون القانونية حاليا ــ فى كل المصالح ــ فكان فى مصر مفتى الأوقاف ومفتى الأشغال ومفتى الجهادية (الدفاع)، وكان اختصاص كل مفتى من هؤلاء خاص بالجهة المعين بها لا غير ولا يسمع له رأى فى غير اختصاصه.

 

فى القضاء الشرعى كانت كل محكمة شرعية تضم وظيفة «مفتى المحكمة» ويشغلها نائب رئيس المحكمة الجزئية أو الكلية،  وعلى قمة النظام القضائى الشرعى كانت «المحكمة العليا الشرعية» وكان نائب رئيس المحكمة هو «مفتى الحقانية» (وزارة العدل) وينحصر عمل المفتى فى إعداد القضايا المعروضة على المحكمة فقط، وليست له أى علاقة بشئون المجتمع فهو «مفتى خاص» بالقضايا المنظورة فى محكمته لا غير.

 

وكان من ألاعيب العصر الملكى أن تم استدعاء «مفتى المحكمة الشرعية» أو إلى ساحة المجتمع سعيا لصرف شريحة من المواطنين عن ثقتها فى مشيخة الأزهر، وإيجاد رمز آخر فردى يحاور مشيخة الأزهر كلها، وعند بداية المحاولة اختاروا المرحوم الشيخ محمد عبده مفتيا وتولى إعلام القصر والحكومة والانجليز ترويج الوظيفة ليس حبا فى كفاءة الشيخ المعين، ولكن لاستقطاب شرائح وأجيال أخرى وسحبا للبساط من تحت أقدام «مشيحة الأزهر».

 

ورغم إلغاء القضاء الشرعى بمرسوم ثورى عام 1956 وألغيت جميع المحاكم الشرعية فإنهم استبقوا هذا الكيان العجيب المسمى «مفتى الجمهورية» ليستر عورة القضاء الوضعى فى شأن الدماء من ناحية،  ويستر «عورة الدولة» التى ضاقت بالأزهر فكان لابد من تمزيقه وتفتيت ثقله فى نفوس الناس.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات