رحيل البطريرك.. مشروعية إدارة الأزهر وإدارة الكنيسة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحيل البطريرك.. مشروعية إدارة الأزهر وإدارة الكنيسة

نشر فى : الجمعة 23 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 مارس 2012 - 8:00 ص

(1)

 

رحيل الأنبا شنودة بطريرك الكنيسة رحيل نموذج فذ للزعامة الروحية التى لم تقصر فى مسئوليتها، بل كثيرا ما تجاوزت صلاحيات المنصب الروحى وخرجت من إطاره لتمارس أدوارا أوسع من حدودها، مدفوعة فى ذلك باستبداد وفساد النظام السياسى المخلوع من ناحية ومسنودة من ناحية أخرى بعجز متناه فى مؤسسة الدعوة المشاركة لها وهى الأزهر الشريف، فإذا عبر المصريون جميعا عن حزنهم لرحيل البطرك فإنما يعبرون عن مناخ عام مقلق، خلا من الرموز، والبلاد كلها تخبط خبط عشواء، وأصبح الممارسون جلهم «فرز ثالث» وربما «رابع» لأنهم لا يعرفون الحق العام الذى يصنع الاستقرار والاستمرار والوطنية والاختصاص فضلا عن افتقادهم لآليات وأدوات على جميع المستويات. (وهنا فلست محتاجا لتأكيد رفضى للنظام المخلوع وقناعتى بوجوب سرعة محاكمته).

 

وحينما نرصد الفوارق بين الأزهر والكنيسة ليتضح قولى بأن إدارة الأزهر عاجزة، وإدارة الكنيسة متجاوزة، فإننا نفهم ونقدر دوافع تجاوز الكنيسة، فإن أحدا لا يقبل عجز إدارة الأزهر، ولا يسكت عليه.

 

(2)

 

أعلن البطرك الراحل رفضه القاطع لزيارة القدس مادامت اسرائيل تحتلها، وقد توافق شعب كنيسته بإجماع وقناعة على الشخص والدور والقرار، وعلى الجانب المقابل غفلة منقطعة النظير، عن سياسة دعوية مطلوبة تستبقى القدس حاضرا فوق عمائم الأزهريين حتى يتحرر ويستقل فينزل من فوق العمامة الأزهرية ليسكن فى قلوب الأزهريين، أقصد يسكن القدس فى المناهج، ومقررات الدراسة، والنوافذ الثقافية والإعلامية وكذلك أناشيد الصبية والشباب إلخ، وفوق هذه الغفلة المستغربة، خرجت نغمة نشاز من أحد أبرز رموز المؤسسة تدعو الناس لزيارة القدس رغم الاحتلال، ورغم الثورة فلازال عازف النغمة النشاز يحتل مكانة فيلسوف الأزهر وأستاذ رموزه الحالية، ذلك الشخص الذى تمكن متعمدا من محاربة المساجد والمعاهد والجامعة، واستقطب جميع المتنفذين فى شئون الدعوة من الجهلاء وعملاء الأمن والحزب المخلوع والمحظور... فهل عندنا حق حينما نحزن على رحيل شنودة؟!!

 

(3)

 

أما عصب الدعوة وهو التمويل، فإن «الأوقاف» هى المصدر الرئيس لمساعدة الدعوة على مواصلة تحقيق أهدافها وتنمية أنشطتها، فبينما تتولى الكنيسة ــ وهذا مطلق حقها ــ إدارة جميع الأوقاف المسيحية، نرى الأوقاف الإسلامية تديرها الحكومة بهيئة إدارية تتصرف تصرف المالك إهلاكا واستهلاكا واستبدالا، وما يتبقى لا شأن للأزهر به، هذا ما فعله نظام الحكم الملكى، وكرسه نظام يوليو، فهل تبقى الأوقاف الإسلامية مهدرة بحاجة إلى عقل دعوى ينقذها ويستثمرها ويعرف شئون دعوته كما عرفها البطرك الراحل.

 

(4)

 

واستقلال الكنائس كامل واضح لا شية فيه، استقلال مالى ودعوى وإدارى ــ وهذا حق لا يمن به أحد ــ فإدارة كل كنيسة داخل إطارها هى سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء لجميع شئونها الداخلية، وهذا الاستقلال هو أبجدية الدعوات الدينية عامة والإسلامية خاصة، وهكذا فجميع الكنائس تعرف حقها وتتمسك به ولا تسمح بنقصانه ولا تحيد عنه، أما الأزهر ــ فله الله ثم الشعب ــ فمنذ قرنين استلب الحكم الملكى أموال الأزهر واستقلاله، ثم جاءت ثورة 1952 فاستلبت حياء إدارة الأزهر وحيويتها، ثم جاءت لجنة السياسات بالحزب المخلوع والمحظور فأجهزت على بقية القدرات الدعوية للأزهر، فلما قامت ثورة يناير تبين عمق البئر التى هوت فيها إدارة الأزهر، وتجلى سقوطها فى القانون 13 لسنة 2012 الذى وصفه جميع المصريين ــ إلا المنتفعين ــ بأنه قانون ملاكى لا نفع فيه للدعوة ولا المؤسسة ولا الناس، بل تم إعداده لتحويل الأزهر إلى مسجد ومتحف تاريخى، هذه كارثة تستوجب ثورة خاصة لا مطلب لها إلا إنقاذ الأزهر وفتح الطريق أمامه ليشارك مؤسسات الدولة فى تهيئة استقرار الأمة واستمرار حيويتها، وذلك لتمكين ثورة يناير من بلوغ أهدافها، فإذا حزن المصريون لوفاة البطريرك فإنما يحزنون لغياب قوة عالمة فى وقت عم فيه التيه وخصوصا على الجانب الآخر.

 

(5)

 

أما شرعية منصب البطرك فهى شرعية مقبولة، إذ يشترك أكثر من 1500 مسيحى فى انتخاب البطرك، وهذا عدد مقبول باعتبارهم مندوبين عن ملايين الأرثوذكس المصريين، أما شرعية منصب شيخ الأزهر تراها تتوارى حياء حيث بلغ عند آخر تطوراته أن يقوم الشيخ باختيار عدد لا يزيد على 40، ثم يقوم هؤلاء الـ40 بانتخاب الشيخ... فهل يتناسب ذلك الأسلوب الاستبدادى المهين مع مكانة الأزهر؟! أم يتناسب ذلك العدد الهزيل سواء مع عدد المقتدين بهذا المنصب، أو مع أكثر من نصف مليون أزهرى فضلا عن قرابة مليونى طالب أزهرى؟!!! وعلى ذلك فلابد من قانون جديد وسريع يضمن:

 

1 ــ نقل المساجد والافتاء إلى مكانها الطبيعى فى أزهر مستقل،

 

2 ــ تيسير الترقى العلمى وفرضه على جميع علماء الأزهر ليستحق جميع المدرسين والدعاة درجة أستاذ أكاديمى جدير أن يسمع له الناس ويقبلوا فتواه ويصلوا خلفه.

 

3 ــ عدم ترتب أى زيادة مالية للفائزين بالمناصب العلمية والإدارية بأكثر من 10% عن زملائهم الناخبين.

 

4 ــ يتولى جميع الأزهريين انتخاب قياداتهم العلمية والفقهية والإدارية عبر مستويات (مدرس أول ــ موجه ــ شيخ ــ أستاذ ــ إمام كبير عضو هيئة كبار علماء).

 

5 ــ تتولى مؤتمرات العلماء المنتخبة من الحاصلين على درجة أستاذ انتخاب ممثليهم فى مجمع مندوبى علماء الأزهر الذى لا يقل عدد أعضائه عن 6000 عالم.

 

6 ــ يتولى مجمع المندوبين انتخاب هيئة كبار العلماء التى لا يقل عددها عن 300 إمام كبير هؤلاء هم أعلى هيئة علمية وتشريعية ورقابية للأزهر.

 

7 ــ تتولى هيئة الكبار انتخاب المجلس الرفيع لمشيخة الأزهر الذى يضم الإمام الأكبر ونوابه ومساعديه وممثليه، وهذه أبسط أصول الشورى وقواعد الديمقراطية والمؤسسية التى تليق بمؤسسة عريقة فى مكانة الأزهر وحجمه.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات