البعض جاء ليكحلها.. فأعماها - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البعض جاء ليكحلها.. فأعماها

نشر فى : الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 8:00 ص

أشفقت بشدة على رئيس الوزراء، الأسباب كثيرة، فى مقدمتها وقوعه فى فخ مساعدين ومستشارين لا يقدمون له معلومات صحيحة. أغلب الظن عن جهل وليس سوء نية، فمنذ عدة أيام، تجرى محاولات خائبة لتجميل القرار الشائه، المتعلق بسحب ترخيص عرض «حلاوة روح».. تحدث رئيس الوزراء عن الحدوتة مؤكدا أن فكرة الفيلم المصرى مقتبسة من عمل إيطالى وأن الكنيسة الكاثوليكية فى روما اهتزت وقت عرضه.. طبعا، هو يقصد فيلم «مالينا»، الجميل الذى حصد العديد من الجوائز العالمية فى المهرجانات الدولية، ونال مخرجه تورنا تورى تقديرات نقدية رفيعة، ولم يواجه «مالينا» أى اعتراضات، سواء من الكنيسة أو مؤسسات أخرى، ذلك انه، جوهريا، يهاجم الحرب، وينتقد قسوة الآخرين تجاه امرأة وحيدة.. مشكلة «حلاوة روح» انه لم يقتبس روح «مالينا» وتوقف عند بعض قشوره الخارجية.

بعد أن منح رئيس الوزراء لنفسه، مهمات وكيل النيابة، والقاضى، والحاكم العسكرى، أصدر حكمه البات، المنفذ فورا، بسحب ترخيص عرض العمل.. ثم يعلن لاحقا، وبوضوح انه لم يشاهد الفيلم، لكن مساعديه، سامحهم الله، عرضوا عليه مشاهد وبعض المقاطع، وبناء عليه اتخذ قراره ــ هنا، لابد من القول انه من الممكن انتقاء مقاطع معينة من الافلام ذات القيمة العالية، لفللينى أو سكورسيزى أو صلاح ابوسيف أو يوسف شاهين، كى تعطى انطباعا خاطئا عن هذه الافلام، وحتما، سيكون الحكم عليها جائرا.. تماما، مثل القاضى الذى يحكم فى قضية لم يقرأ من اوراقها إلا عدة صفحات.

الغريب، بل الممجوج فى الأمر أن بعض أباطرة مجالس المرأة والطفولة، ممن ظهر على الفضائيات تحدث عما ورد فى الفيلم بشأن علاقة كاملة بين صبى وامرأة، وهى مسألة لا وجود لها.. وذهب البعض الى الزعم بقيام الصبى باغتصاب المرأة، الأمر الذى يبين بجلاء داء الكذب المتفشى عندنا، وإذا كان من حق كل انسان أن يرفض أو يقبل العمل الفني، فإن ما لا حق فيه اختلاق ما ليس موجودا فى الفيلم.

توالت محاولات تبرير القرار الفريد فى بابه، أو الغريب إن شئت الدقة، فلأول مرة، منذ بدأت صناعة السينما فى مصر، مع العشرينيات من القرن الماضى، يصدر رئيس وزراء، قرارا مثل هذا ــ قيل فى دوافع إلغائه على «حلاوة روح»، حسب روايات رسمية، أن رئيس الوزراء، تأثر بعمق، اثر لقائه بوالدة الطفلة المغدورة «زينة» واستماعه الى وقائعها، وبالتالى، اتخذ قراره.. هذا الكلام الفارغ يثير اكثر من سؤال، فهل كان الرئيس يحتاج للقاء الأم كى يتأثر، علما بأن هذه الجريمة المروعة هزت الشعب المصرى كله.. ثم هل استنتج الرجل أن الذئبين المنحطين أقدما على فعلتهما المشينة بسبب مشاهدتهما للفيلم الذى لم يعرض إلا بعد شهور من دخولهما السجن.. وهل لم يدرك أن الوغدين هما نتاج مجتمع مختل القيم، يحتاج علاجه لجهوده، وجهود الجميع، خاصة مجالس الأمومة والطفولة، تلك التى نسمع صراخها وعويلها من دون أن نلمس منها فعلا جادا.

الجوقة المفلسة، التى مهدت وهللت للقرار، أمرها عجيب بحق. جزء منها يرد عبارات طنانة، جوفاء، متوارثة من ايام التخلف الطويلة، تطالب بالحفاظ على «تقاليد المجتمع وقيمه»، وهو قول بائس. آن الأوان كى نناقشه، ذلك انه يؤدى الى ثبات تقاليد وقيم تعيسة، لابد للمجتمع أن يلفظها، إذا اراد التقدم نحو الأفضل.. الاخذ بالثأر، من «تقاليد» الجنوب المزمنة، هل يليق بنا تقديسها.. ختان البنات، من عاداتنا المحجوجة، نجد من يحاول احياءها بعد أن كادت تنزوي.. ولك أن تضيف ما قاله احد مساعدى الرئيس فى تبرير وتزيين القرار التعسفى فجاء كلامه تصغيرا مؤلما لحجم مصر.. قال إن هدف سحب الترخيص هو «الحفاظ على الهوية الوطنية».. ولم يلتفت الى انه اذا كانت هوية اى وطن من الممكن أن تضيع أو تهتز، من مجرد فيلم، فإنها لا تستحق البقاء على قيد الحياة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات