فى عالم ترامب: الحقائق تتلاشى والكلمات تخلق واقعًا بديلًا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى عالم ترامب: الحقائق تتلاشى والكلمات تخلق واقعًا بديلًا

نشر فى : السبت 22 أبريل 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 22 أبريل 2017 - 9:30 م

حقق الرئيس دونالد ترامب أخيرا رقما عالميا قياسيا فى تغييرات مفاجئة وانعطافات وتراجعات. تخلى عن مواقف قديمة دون أن يلتفت إلى الخلف، قال شيئا وعكسه دون أن يرف له جفن، وأعاد خلق نفسه من جديد من دون أن يفكّر مرتين. وشعر الخبراء، والمحللون، والساسة فى جميع أنحاء العالم بالدوار، كما لو أنهم جالسون فى سكة حديد أفعوانية فى مدينة ملاهى.
كان صديق بوتين، وفجأة هو خصمه. قال إن حلف الناتو منظمة عفا عليها الزمن وأنها لا تحارب الإرهاب، والآن قرر أنها لم تعد من طراز قديم وأنها تحارب الإرهاب. كان خصما للصين، والآن هو من المعجبين بها. وعد بأن يعلن أن بكين تتلاعب بالعملة ولكنه تخلى الآن عن ذلك. أراد أن يلغى بنك الاستيراد والتصدير، ولكنه لا يشعر الآن برغبة فى فعل ذلك. وعد بأن يقيل رئيسة [بنك] الاحتياطى الفدرالى جانيت يلين، ولكنه الآن فى مزاج مختلف. كان من أشد المعجبين بستيفن يانون، ولكنه يعتقد الآن أن مستشاره الاستراتيجى بولغ فى كفاءته وقد تكون نهايته قريبة.
منذ بداية حملته الانتخابية أدار ظهره لقيمة التماسك المنطقى بالمواقف، ولمصطلحى الحقيقة والكذب كما هو متعارف عليهما. وبهذا المعنى هو رئيس ما بعد حداثى. والحقيقة عنده ليست مكونة من حقائق صلبة، وإنما من الكلمات التى ينطق بها فى وقت ما. فعندما يقول إن الرئيس السابق باراك أوباما تنصّت على فريق حملته الانتخابية، تصبح كلماته هى الحقيقة. وأبعد من ذلك، الأمور يمكن أن تتغير بين دقيقة وأخرى. بالأمس بوتين كان عظيما والصين مروّعة، واليوم الصحيح هو العكس. إسرائيل اليوم عظيمة ونحن نحبها، ولكن غدا ستكون عنيدة وغير متعاونة. وماذا بخصوص مليارات الدولارات التى ننفقها على دفاعها؟
أثبت ترامب فى الأسبوع الماضى أنه بينما يمكن للكونجرس والمحكمة العليا أن تقيّد الرئيس فيما يتعلق بسياسته الداخلية، فإنه فى سياسة الأمن القومى والسياسية الخارجية حاكم مطلق الصلاحية. لقد أمر بأن تضرب صواريخ توما هوك قاعدة جوية سورية من دون أن ينتظر إذنا من أحد، وأوضح أنه سيكرر ذلك. استدار 180 درجة فيما يتعلق بموقفه من حلف الناتو وفى مقاربته الجيواستراتيجية تجاه روسيا والصين من دون أن يبدر عنه مسبقا ما يشير إلى أن هذا ما سيحدث. التغيرات التكتونية (tectonic) تتطلب عادة سنوات كى تحدث، بينما هى تحدث عند ترامب فجأة بين لحظة وأخرى، كهزّة أرضية تضرب من دون إنذار.
هذا كله قبل أن نلتفت إلى تصريحات ترامب الصادمة، التى لم تعد تصدم أحدا، وبالتالى لم تعد تثير ضجة كما كانت تفعل فى السابق. لقد أخبر محطة «فوكس نيوز» التلفزيونية كيف أنه أخبر الرئيس الصينى كسى (Xi) جيبينج عن الهجوم على سوريا «بينما كنا نتناول قطعة من أطيب كعك الشوكولاتة رأيتها فى حياتك. وقد استمتع كسى بأكلها». وأضاف ترامب أنه أخبر كسى أن «59 صاروخ توماهوك هى الآن فى طريقها إلى العراق». وصححته السيدة التى كانت تجرى المقابلة معه، ماريا بارتيرومو، قائلة «أنت تقصد سوريا»، وأجابها زعيم العالم الحرّ «نعم. سوريا».
لقد حظى ترامب بمديح من قبل كثيرين على قصفه سوريا على الرغم من أن ما فعله مناقض لكل ما كان يقوله فى الماضى بشأن الموضوع، وهذا قد يدفعه إلى محاولة معرفة إلى أى مدى يستطيع التقدم فى هذا الاتجاه.
***
بالإضافة إلى أهواء وتقلبات ترامب، تذكّرنا الصراعات على النفوذ والمكائد التى تحاك فى البيت الأبيض، منذ توليه المنصب قبل ثلاثة شهور، بما كان يجرى البلاط البيزنطى قبل ألف عام. ومن الواضح حاليا أن الجناح المُعتقد أنه أكثر اعتدالا، والذى يقوده الزوج الأميرى جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب وكبير المستشارين الاقتصاديين جارى كوهن، هو فى صعود، بينما أسهم الجناح الراديكالى اليمينى الذى يقوده يانون، هى فى انحدار.
[هل صعود هذا وانحدار ذاك] ناجم عن تكتيك مألوف «فرّق تسُد» يمارسه ترامب، والغاية منه ترسيخ مكانته وإبقاء مستشاريه فى حالة قلق شديد، أو أنه دعم لأقاربه، أو ربما هو دلالة على تحول جدى لدى ترامب نحو موقف معتدل ووسطى؟ لا أحد يعرف، وحتى لو عرفت، هذا لا يلغى أن معرفتك عارضة وموقتة.
لا يستطيع المرء أن يستبعد تماما أن تكون تحركاته ناجمة عن عبقرية سياسية، سواء أكانت جزءا من خطة عقلانية ومدروسة، أو ناجمة عن حاسة سادسة وموهبة غريزية. أما الرأى المخالف، والأكثر شيوعا، فهو أن ترامب لا يزال هو ترامب نفسه، رئيس جاهل، عديم التجربة، مفتقر إلى الكفاءة، ولا عقلانى، كما اعتقد معظم الناس أنه سيكون.
هذان الرأيان المتعارضان قد يتم اختبارهما قريبا فى مشكلة كوريا الشمالية، حيث يبدو أن ترامب تخلى عن بعض الحذر الذى أبداه كل من أوباما وجورج دبليو بوش. إنه كمن يقول للصين «اكبحى جماحى، اكبحى جماحى» كى يرغمها على أن تتدخل، بينما هو فى الوقت نفسه يبدأ لعبة خطرة جدا مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، الذى هو بالتأكيد واحد من زعماء العالم القلائل الذين هم غير متوازنين عقليا أكثر مما هو حال ترامب. إن إرسال قوة بحرية ضاربة بقيادة حاملة الطائرات كارل فنسون إلى شواطئ كوريا الشمالية يمكن أن يدخل ترامب فى مأزق صعب إذا ردت بيونج يانج بتجربة نووية أو بتجربة صاروخ بالستى. عندئذ، سيضطر ترامب للاختيار بين كبح النفس الذى ينطوى على مذلة، أو الإقدام على رد يؤدى إلى تصعيد، فى وقت لا قوات الولايات المتحدة العسكرية ولا العالم مستعدان له.

حيمى شاليف

هاآرتس
محلل سياسى
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات