إريتريا ومياه النيل - إبراهيم يسري - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إريتريا ومياه النيل

نشر فى : الأربعاء 22 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 مايو 2013 - 8:00 ص

توشك أزمة المياه أن تغتال مياهنا وحياتنا بداية من سبتمبر القادم ومن ثم يجب أن نعض على النواجذ ونبدأ فى إعداد خططنا للحفاظ على حصة مصر (والسودان) من السطو الإثيوبى الوشيك الذى سيؤدى فى النهاية إلى حرماننا من الحق فى الوجود خاصة وأننا أكثر الدول قصورًا فى الموارد المائية، ونعانى حاليًا من نقص فى مياه الرى يتسبب فى جفاف ٣٥٠ ألف فدان سنويا.

 

وتقول الأرقام إنه عند إكتمال سد النهضة الإثيوبى فإننا سنخسر ١٨ مليار متر مكعب بنسبة٢٣٪ من حصتنا التى خصصت لنا فى الخمسينيات بإتفاقنا مع السودان عندما كان عددنا ٢٢ مليون نسمة وأصبحنا هذا العام ٩٢ مليون نسمة أى أن الفرد قد خسر ثلاثة أرباع نصيبه من المياه ناهيك عن قحط فى مياه الرى النيلية مما اضطر الفلاح للاستعانة بالمياه الجوفية ولا يتحمل الوطن كارثة جديدة فى المياه عند اكتمال سد النهضة. 

 

ولن أخوض هنا فى الأسس القانونية والتاريخية لحقنا فى مياه النيل كما استبعد كل ما وضع من متاهات اتفاقية عنتيبى والاتفاق الإطارى وما سمى بالمبادرة، التفاوض الذى مارسناه فى بيروقراطية باردة أدخلتنا فى متاهات لا مخرج منها، ولم يضع المفاوض المصرى  فى حساباته أن التفاوض فى العلاقات الدولية ينتهى فى مصلحة الطرف الأقوى أو الذى يحصن نفسه ضد إستخدام القوة من الطرف الآخر ونتيجة أى مفاوضات دولية تستند إليه عوامل القوة على الارض، فالقوى  هو الرابح وهذه قاعدة جوهرية فى العلاقات الدولية. 

 

كان نظام مبارك قد قضى على كل وزن لمصر فى أفريقيا بعد أن كانت أقوى وأهم دولة رائدة على الساحة الأفريقية عندما دخل مفاوضات مياه النيل ولذلك أصبح ظهر المفاوض المصرى مكشوفا وعليه أن يفاوض من موقع الضعف مما أغرى دول المصب بالتغول على حصتنا بتحريض من قوى خارجية على رأسها أمريكا وإسرائيل، وعليه فمنطق الأشياء أن تخرج مصر خاسرة وتنعدم فرصها فى الدفاع عن حقوقها.

 

●●●

 

علينا إذن أن  نبحث عن مصدر قوة سياسية أو اقتصادية أو قمعية نستند إليها كرادع قوى فى التفاوض فى الأشهر القليلة القادمة قبل أن يصبح المشروع الإثيوبى أمرا واقعا يصيبنا فى مقتل. وأذكر هنا بالتصريحات القوية التى أطلقها الرئيسان عبدالناصر والسادات بتحذير إثيوبيا وغيرها من المساس بحصة مصر من مياه النيل بل أزيح اللثام عن أن مصر فى عهد السادات خصصت كتيبة من كتائب الصاعقة للتدريب على التسلل  وتدمير السدود  فى مناطق جبلية على ماكيت يضاهى التضاريس الإثيوبية.

 

غير أننا لا ندعو فى الظروف العالمية الحالية للقيام بعمليات عسكرية جوية أو برية لحماية حقوقنا وهناك ما يعرف فى لغة الإستراتيجية بالردع وجوهره أن توقع فى فكر الطرف الآخر خوف حقيقى بأنه سيعانى من ضرر لا يتحمله إذا تمادى فى المساس بحقوق الطرف الآخر. وهو الأسلوب المتبع فى العلاقات الدولية، وهنا نورد مثالا واقعيا وهو لوحة الأزرار التى ترافق كل الرئيسين  الأمريكى والروسى وهى التى ترخص بتوجيه ضربة نووية هجومية أو دفاعية ضد الآخر، فهنا لا تستخدم القوة النووية ولكن يجرى التلويح بها. وعليه فإنه يمكن بأسلوب مدروس أن نمتلك أدوات الردع الفاعلة ضد إثيوبيا فى المقام الأول وضد مجموعة دول المنبع. 

 

اما إذا فشلت المفاوضات ولم يحقق الردع مصداقية لدى إثيوبيا فيصبح علينا أن نختار بين كارثة مميته وبين الدفاع عن حقوقنا بكل الوسائل، فبديهى أن نعبئ كل قوانا ضد العدوان دون استبعاد خيار القوة فى إطار حسابات دقيقة ودراسات متعمقة. ويتصل بذلك الإستفادة من الخلافات والعداوات بين دول حوض النيل بعامة وإثيوبيا بخاصة وهنا تبرز أهمية إريتريا.

 

●●●

 

إريتريا دولة إفريقية تقع كما نعلم على شكل مثلث بين اثيوبيا (١٠٢١ كم) والسودان (٩١٢ كم) وجيبوتى ولها أطول ساحل على البحر الأحمر بطول١٠٠٠ كم  وتتبعها فى مضيق باب المندب مدخل البحر الأحمر ١٢٦ جزيرة معظمها غير آهل بالسكان ولكن لها أهمية استراتيجية كبرى، ويمر بها نهر ستين تكيزى احد روافد النيل الأزرق  ويصب عند عطبرة. تعدادها ٤.٥ مليون نسمة  وهى دولة علمانية وأغلبية السكان مسلمون وهاجر إليها المسلمون الأوائل وبنوا فيها أول مسجد فى إفريقيا. ومع وجود علاقات قوية بين إريتريا بوضعها المتحكم فى باب المندب المدخل الجنوبى للبحر الأحمر فلا يمنع ذلك من تحسين وتطوير وتوسيع علاقات التعاون  بين مصر(والسودان) وبين إريتريا. ويساعدنا فى ذلك العداوة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا التى بدأت ثورتها للإنفصال عن إثيوبيا ١٩٦٥ والتى قامت إثيوبيا ضدها بحملات إبادة بشعة فى الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات إلى أن استقلت عام ١٩٩٣.   

 

ومن العوامل الإيجابية أن إريتريا التى تعتبر من دول المنبع كانت قد  صرحت بشكل واضح أنها تؤيد عدم المساس بحصة مصر فى مياه النيل وكشف الموقع الإخبارى المستقل «بيكيا نيوز»، عن تصاعد الغضب فى أثيوبيا عقب البيانات التى أصدرتها الحكومة الإريترية، بشأن من له الحق فى مياه النيل، وهو الأمر الذى أصبح قضية مستمرة فى السنوات الأخيرة بين مصر وإثيوبيا. وقال مسئولون فى الحكومة الأثيوبية للموقع: إن القضية أدت لزيادة التوتر بين إريتريا وأثيوبيا، واللتين خاضتا حروبا سابقة.

 

وكان أحد مسئولى المياه فى أديس ابابا قد حذر من احتمال زيادة الحرب على المياه فى المنطقة. وكانت الحكومة الإريترية قد أعلنت عن دعمها للموقف المصرى فى معاهدة  ١٩٥٨ والتى تضمن لمصر حق الحصول على أغلبية موارد مياه النيل فى رسالة سلمها وزير الخارجية الإريترى عثمان صالح، ومستشار الرئيس الإريترى، للرئيس محمد مرسى خلال زيارة الأخيرة.

 

ورغم ذلك فإن علاقاتنا مع إريتريا ليست على الشكل والعمق الذى يخدم مصالح  الطرفين وعلى مصر أن تبادر بدعوة الرئيس الإريترى للقاهرة وتوقيع اتفاقيات تعاون وتبادل اقتصادى وفنى وثقافى وعسكرى، بما فى ذلك تنظيم زيارات متبادلة ومناورات عسكرية فى مصر وإريتريا. لعلنا نرى هنا بوضوح أن قوة العلاقات والتعاون العسكرى بين مصر وإريتريا ستجبر إثيوبيا على أن تحسب مواقفها جيدا فى علاقاتها مع مصر وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل.

 

متى نوجه الدعوة للرئيس افورقى لزيارة القاهرة؟ 

 

 

 

محام و محكم دولى

إبراهيم يسري  محام ومحكم دولي
التعليقات