الشريعـــة أمـــان لا تخيــف أحـــدًا «2» - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشريعـــة أمـــان لا تخيــف أحـــدًا «2»

نشر فى : الجمعة 22 يونيو 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 يونيو 2012 - 8:50 ص

فى بيان واضح بث الوحى إنذارات متتابعة تعلن بلوغ البشرية رشدها، واقتراب رحيل خاتم المرسلين (صلى الله عليه وسلم)، وقرب توقف الوحى، فأجل النبى الخاتم قد حل ومعنى ذلك أن يتدبر الناس عامة والمسلمون خاصة مسئوليتهم عن أنفسهم وعلاقتهم بالوحى، ونظرتهم إليه هل هو دواء يتعاطاه من يحس بحاجته إليه؟ أم إنه إكراه وضغط يحيط بالناس ليس لهم رفضه أو الحوار معه؟

 

نعم أشرف الوحى على النهاية والرسول (صلى الله عليه وسلم) ليس له وارث، ولم يوص لأحد كما يفهم أهل السنة ولم يزك أحدا، وسقيفة بنى ساعدة خير شاهد، فلو أن هناك وارثا ما اجتمع الناس، ولو أن هناك وصية ما خاف أحد، لكن إرادة الله قضت أن تعلم البشرية والمسلمين أن أمر الدنيا قد صار إليهم دون أدنى ضغط أو إكراه فإدارة شئون الناس منوطة بالناس يختارون لها من يشاءون ليتحملوا مسئولياتهم بأنفسهم ويجنى كل منهم زرع يديه، والجدير بالذكر هنا أن دعاوى الإرث العائلى قد تلاشت، كما أن دعاوى الجغرافيا (ملكية الأرض) قد سكتت أمام دعوى ضرورة الحرص على تجميع أهل الجزيرة العربية وعدم الشقاق بينهم فكانت مقولة (إن العرب كل العرب لا تطيع غير قريش).. هذا تمام ما قيل فى السقيفة فقطع الجدل واجتمع الشمل (فلا هاشمية ولا أوس ولاخزرج) إنما المطلوب تجميع الأمة على الحد الأدنى لما يلتقون عليه.

 

(2)

 

وحشد أكبر عدد من الناس حول برنامج قليل الفائدة خير ألف ألف مرة من برنامج تكثر فوائده وتتمزق الأمة حوله شيعا وأحزابا... فخطاب الدعوة الإسلامية خطاب عملى كالصلاة تماما لا تنعقد جماعتها بغير دعوة علنية جامعة غير مانعة، منفتحة دائما لكل وافد، ليس فيها ما يخفى على المستمع والمشاهد، وليس لأحد كائنا من كان أن يفرض رؤيته ولا مذهبه على غيره حيث إن الله قد أخبر نبيه قائلا: (...... وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )107 الأنعام. وقد تكرر هذا المعنى بألفاظ (حفيظ، وكيل، مسيطر، جبار)فهل لأحد من بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يكون على الناس حفيظا، أو وكيلا، أو مسيطرا أو جبارا)؟!.

 

(3)

 

وأسوق بيانا واضحا لما أريد قوله: فشعيرة الصلاة كما يفهم الجميع هى ركن الأركان الذى لا يسقط عن المسلم منذ بلوغه وإلى آخر حياته، فها هو الآذان يرفع والمساجد جاهزة، والوضوء أو التيمم متاح، والأرض كلها مسجد وطهور أينما أدركت الرجل الصلاة يصلى، ومع أهمية الشعيرة ويسر تكاليفها لم يقم الرسول (صلى الله عليه وسلم)ولم يكلف أحدا بضرورة حشد الناس إلى المسجد جبرا، ولا عقوبة من تخلف عن الجماعة وغاية ما أثر عنه (صلى الله عليه وسلم) قوله: (كدت ان أأمر بالصلاة فتقام، وآتى بيوت أقوام لا يأتون الجماعة فأحرقها عليهم ) فهذا آخر ما يملكه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للمتخلفين عن الجماعة، وها هو يشتد فى التخويف والإنذار ولا يحاول التنفيذ لماذا؟

 

لان الله (جل جلاله) لم يشرع ذلك ولم يأذن به وهذا سر ترحيبه (صلى الله عليه وسلم) بعبارة بلال (رضى الله عنه) (الصلاة خير من النوم) فأضافها لآذان الفجر.

 

(4)

 

مثال آخر فها هو الحج والكعبة مركزه، وقد فتح الله مكة فتحا مبينا، ولا أمر ولا نهى لغير الرسول (صلى الله عليه وسلم) وظنت أمنا عائشة (رضى الله عنه) أن مجرد امتلاك القدرة على التغيير يحتم استئناف التغيير وإنفاذ المأمول، وفوجئت عائشة بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): يا عائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وأعدت بناءها على قواعد إبراهيم وإسماعيل «.... ولهذا يدرك جميع من يستحق لقب «فقيه» أن القدرة والولاية لا تكفى للمبادرة بالتغيير، فإن الأمر أمر الناس باختلاف مداركهم ورغباتهم ومدى ثقتهم فى الداعى وقبولهم لبرنامج دعوته

 

(5)

 

 فلماذا تصبح الدعوة الإسلامية عاملا رئيسا من عوامل تمزيق الأمة وتفتيت قواها يفتح الباب للبعض أن يستعين بالأجنبى خوفا من مواطنه أو أخيه المسلم، وأنا أدرك تمام الإدراك أن بين الناس فئات تتربح بعداوة الفضيلة وتخشى شيوع الأخلاق الحسنة، كما أدرك أن فئات كثيرة تتخوف من دعوة ودعوى غير المتخصصين فضلا عن التمذهب بمذهب معين والانحصار داخل نموذج واحد ــ وهذا حق المتخوفين، وليس لمن يريد أن يجاهد (يبذل جهده واجتهاده )ليس له إلا حق الدعوة والحوار حتى يتوافق الجميع فيبدأ التنفيذ على ما تم التوافق عليه فقط دعما لوحدة القوى.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات