السياسة فوق القانون فى أزمة تيران وصنافير - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة فوق القانون فى أزمة تيران وصنافير

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م
لو كانت المسألة حقا يرد إلى أصحابه، لاختلفت نقطة البداية.
المقصود هو الإجابة عن السؤال التالى: متى أرسلت مصر قواتها، لترابط بصفة دائمة على جزيرتى تيران وصنافير؟
هذه الاجابة هى أن ذلك حدث عام 1950.
إذن كيف ولماذا اتخذ هذا القرار، وكيف سجلته الوثائق الحكومية المصرية فى ذلك التاريخ؟ و كيف شرح للاطراف ذات الصلة، وللعالم وقتذاك؟
كانت الحكومة المصرية التى أرسلت قوات إلى الجزيرتين، هى حكومة الوفد الأخيرة، المنتخبة بأغلبية كاسحة، برئاسة الزعيم الوطنى الديمقراطى الكبير مصطفى النحاس باشا، ولأن الارتجال وفردية القرار، لم تكن من سمات حكومات الوفد فقد سجلت مضابط مجلس الوزراء خلفيات القرار، وأسبابه، وأهدافه، كما سجلت مضابط الوزارات المعنية مراسلاتها حول القرار من والى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية.
كل هذه الوثائق، كانت ولا تزال متاحة، وقد جمعها الدكتور عبدالعظيم رمضان، أستاذ التاريخ المعاصر الراحل، فى كتاب مهم له، تحت عنوان «الصراع المصرى الإسرائيلى فى البحر الأحمر»، من إصدارات دار روز اليوسف عام 1982.
يهمنا من هذا السجل أربع وثائق، الأولى مذكرة مصطفى نصرت باشا وزير الدفاع إلى مجلس الوزراء لإبلاغ المجلس بقرار إرسال وحدات من الجيش المصرى إلى جزيرتى تيران وصنافير، لتأكيد السيادة المصرية عليهما، بعد أن اخترقت إسرائيل خط الهدنة، واستولت على أم رشراش، و أنشأت ميناء إيلات على رأس خليج العقبة، وتنفيذ هذا القرار، والثانية هى قرار مجلس الوزراء بالموافقة على مذكرة وزير الدفاع، وتعميم قرار المجلس على كل الوزارات والمصالح الحكومية المعنية، وإبلاغه إلى الدول الأجنبية المتداخلة فى قضية فلسطين، واتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية وكذلك إلى هيئة الأمم المتحدة التى أشرفت على مفاوضات هذه الاتفاقية وتنفيذها.
أما الوثيقة الثالثة فهى مذكرة السفارة البريطانية إلى وزارة الخارجية المصرية للاستفسار عن أسباب إرسال قوات مصرية إلى تيران وصنافير، بناء على طلب إسرائيل، والرد الموقع من الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية على هذه المذكرة، والذى أوضح أن سبب إرسال هذه القوات هو انتهاك إسرائيل لاتفاقية الهدنة، وهدفه هو تأكيد سيادة مصر على الجزيرتين، وحفظ هذه السيادة، وأما الوثيقة الرابعة فكانت مذكرة من السفارة الأمريكية بالقاهرة إلى وزارة الخارجية تستفسر فيها الأخرى عن الغرض من إرسال وحدات عسكرية مصرية إلى جزيرتى تيران وصنافير، وعما إذا كان وجود هذه القوات سيؤثر بالسلب على حرية الملاحة الدولية فى مضيق تيران، ويكمل هذه الوثيقة رد الخارجية المصرية موقعة من الوزير نفسه بأن الغرض من القرار هو تأكيد السيادة المصرية، وحفظ أى حق محتمل للمملكة العربية السعودية فى مدخل خليج العقبة، مع التعهد بعدم التعرض لحق المرور البرىء الذى أقره القانون الدولى لسفن جميع الدول، عدا إسرائيل بما إنها فى حالة حرب مع مصر، شرط ألا تحمل السفن المارة مرورا بريئا مواد حربية إلى ميناء إيلات الإسرائيلى.
إذن لم تتضمن مضابط حكومة النحاس باشا التى قررت مرابطة قوات مصرية فى تيران وصنافير أية إشارة إلى طلب من ملك السعودية إلى ملك مصر بوضع الجزيرتين – وديعة ــ تحت الإدارة أو الوصاية أو الحماية المصرية، كما يقال الآن، فقصارى ما اعترفت به مصر للسعودية كان حقا محتملا فى المنطقة، تطوعت هى (أى مصر) بالحفاظ عليه، حتى يستبين ما إذا كان لها حق، أم لا.
ترى هل الجهات الحكومية التى استشارها الرئيس عبدالفتاح السيسى أطلعته، وأطلعت المفاوض المصرى على هذه الوثائق؟
من المؤكد أن هذه الجهات كانت، ولا تزال قادرة على الوصول لهذا السجل بالكامل، ما دام مؤرخ كبير مثل الدكتور عبدالعظيم رمضان رحمه الله وصل إليه بمجهوده الفردى، ولو كان الموقف المصرى فى التفاوض مع الاشقاء السعوديين انطلق من هذه النقطة، لكان أقصى ما يمكن التوصل إليه من نتائج هو السيادة المشتركة، أو اقتسام هذه السيادة بين الدولتين، بحيث تبقى تيران ومضيقها (وهو الأهم استراتيجيا) تحت السيادة المصرية.
هنا ينتهى حديث القانون، ويبدأ حديث السياسة، إذ من الواضح أن القرار السياسى، سواء فى مصر أو السعودية لم يكن معنيا بالجوانب القانونية بقدر اهتمامه بحسابات وأهداف أخرى، لم تعد سرا، وتدور كلها حول ما سمى بتوسيع عملية كامب ديفيد، وصولا إلى صفقة القرن مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفى قلبها التحالف السنى ضد إيران، برعاية واشنطن، ومشاركة تل أبيب.
وبما أن تاريخ العلاقات الدولية، فى العالم كله، وفى منطقتنا على وجه الخصوص، حافل بمفاجآت، كتحالف الصين الشيوعية مع الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتى الشيوعى فى بداية سبعينيات القرن الماضى، ومن قبل ميثاق عدم الاعتداء بين هتلر وستالين عام 1939، وزيارة السادات للقدس عام 1977، وتسليح أمريكا سرا لإيران فيما سمى بفضيحة إيران جيت، فإنه يحدث أحيانا أن تخترق كل المحرمات، لأسباب عملية بحتة، إذا كان الثمن المقابل يستحق، أو يتصور أنه يستحق.
فما هو إذن الثمن السياسى الذى ستحصل عليه كل من الرياض والقاهرة منفردتين، ومجتمعتين مع بقية الأطراف العربية من هذه الهدية الثمينة لإسرائيل، نقصد تدويل مضيق تيران، ودخول السعودية طرفا مباشرا فى علاقة تعاقدية مع إسرائيل كمقدمة لتطبيع شامل للعلاقات الخليجية الإسرائيلية، ارتباطا بصفقة القرن؟
فى حالة مصر يقال إن الثمن هو موافقة إسرائيل على زيادة عدد ونوع القوات المصرية فى سيناء لمحاربة الارهاب، وهذا تطور إيجابى بلا جدال، لكنه يحقق مصلحة أمنية حيوية لإسرائيل نفسها، وإذن فهى قد تقاضت مقدما ثمن هذه الموافقة، و يقال إن جزءا من الثمن الذى ستحصل عليه مصر هو استمرار وزيادة المعونات السعودية إليها، وهنا نصل إلى الحديث عن الثمن السياسى الذى تتوقعه السعودية من شغفها بالتحالف مع إسرائيل، مقتادة دول خليجية، وإسلامية وراءها، دون حتى التقيد بمبادرة بيروت العربية للسلام عام 2002، والتى هى فى الأصل مبادرة سعودية، وكانت، ولا زالت تنص على التطبيع الكامل مقابل السلام الكامل، الذى يعيد الأرض المحتلة، ويقيم الدولة الفلسطينية، ويحل مشكلة اللاجئين.
يقولون إن الثمن هو مشاركة إسرائيلية نشطة فى التحالف ضد إيران، ويصل الطموح، أو الجموح ببعض الدوائر الخليجية إلى الجزم بأن إسرائيل هى التى لها المصلحة الكبرى، ولديها العزيمة والامكانيات لتدمير البرنامج النووى الايرانى عاجلا أو آجلا.
وقد يكون هذا الطموح صحيحا من الناحية النظرية، ولكن بأى حساب واقعى فإن إسرائيل لا تستطيع الإقدام على هذه الخطوة بالغة الخطر، إلا بشرطين: هما أولا: موافقة الولايات المتحدة، لما سيترتب عليها من تفجير شامل لأوضاع كثيرة فى الشرق الأوسط والخليج، وثانيا تحييد أو إزالة خطر حزب الله على إسرائيل نفسها، إذا هى هاجمت إيران.
وإذا قيل إن الموافقة الأمريكية أصبحت فى المتناول بسبب وجود دونالد ترامب (الجامح بطبيعته) فى البيت الأبيض، فقد أثبتت الفترة التى مرت من رئاسته أن الدولة الأمريكية العميقة، لن تسمح له بمثل هذه المجازفات، إلا إذا كانت هذه هى أيضا رؤيتها، وفى هذه الحالة الأخيرة فما حاجة السعودية وبقية دول الخليج إلى التحالف مع إسرائيل، وهى أصلا حليف وثيق للدولة العميقة الأمريكية التى تمسك كل الخيوط، ولماذا تقدم دفعات كبيرة من الثمن مقدما لإسرائيل، انتظارا لفعل قد يحدث وقد لا يحدث؟!
ثم ما هى مصلحة مصر فى هذا التحالف الخليجى الإسرائيلى ضد إيران؟!
كما لجأنا إلى تاريخ العلاقات الدولية لمحاولة فهم اختراق المحرمات فى العلاقات الخليجية السعودية بتشجيع من مصر، نلجأ إلى هذا التاريخ أيضا لنؤكد أن مصلحة دولة رئيسية مثل مصر فى الشرق الأوسط هى فى مبدأ توازن القوى، الذى يعنى عدم قبول أو مساندة أى عمل إسرائيلى يقضى على هذا المبدأ الذى هو أيضا أكبر ضمانات السلام .
الخلاصة أن السياسة التى تجاوزت القانون فى أزمة تيران وصنافير ليست مضمونة العواقب فى الخارج، كما فى الداخل أيضا.

 

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.