بعد البداية - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد البداية

نشر فى : الأربعاء 22 يوليه 2015 - 6:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 يوليه 2015 - 6:50 ص

كأن صناع المسلسل تمثلوا، بعمق، الحكمة العربية القائلة «حسن الظن ورطة وسوء الظن عصمة».

فى الحلقتين الأخيرتين، عقب اللهاث مع الصحفى البرىء، عمر نصر ــ بأداء لامع من طارق لطفى ــ ينجح فى استرداد كمية كبيرة من المليارات المنهوبة، التى هربها المفسدون إلى خارج البلاد.. قبل أن نتنفس الصعداء، نكتشف جانبا مريبا فى البرىء، فبدلا من إعادة الثروة إلى الدولة، يقرر إقامة مشروعات تبعه بشكل أو آخر.. حجته فى هذا أنه يعتقد، بل يوقن، أن تلك المليارات، سيتم سرقتها مرة ثانية.

فى اللقطة لأخيرة، عقب رفضه تنفيذ الاتفاق المشين مع المسئول الأمنى الكبير، كمال سليم ـ بأداء الراسخ فاروق الفيشاوى ــ نشاهد عربة بها رجال مقنعون، يتهيأون لإطلاق الرصاص عليه.. على الأرجح، سيردونه قتيلا.

واضح أن كاتب السيناريو الماهر، عمرو سمير عاطف، برؤيته الشابة، رفض مقولة «لا توجد جريمة كاملة»، أى لا وجود لجريمة يظل مرتكبها غامضا، مجهولا، لا تمتد له يد العدالة ويفلت من العقاب، وأظن أنه يستكمل رؤيته، المستمدة من الواقع، بإدراك أن طمس معالم الجريمة، من الممكن أن يحدث، ويتكرر، إذا كان فاعلها جهازا أمنيا، أو مؤسسة ذات شأن ونفوذ، سواء فى أمريكا، حيث لايزال قاتل جون كينيدى مجهولا، برغم توجيه الاتهام إلى هارفى أوزوالد، الذى اغتيل بدوره بعد أقل من شهر.. فى مصر، طابور طويل من «الجرائم الكاملة»، من ضحاياها: على شفيق، نيازى مصطفى، الفريق الليثى ناصف، سعاد حسنى.. ثم، منذ أكثر من عشرة أعوام، اختفى الصحفى، رضا هلال، وكأنه، فص ملح وذاب.

«بعد البداية»، يبدأ بداية مثيرة، الصحفى، عمر نصر، يفاجأ، بخبر وفاته فى معظم الجرائد الصباحية، بما فى ذلك الجريدة التى يعمل بها، حيث معلق على الجدار، خلف مكتب رئيس التحرير، صورة مصطفى أمين، وبجوارها صورة محمد حسنين هيكل.

يدرك عمر نصر، المذهول، أنه مستهدف على نحو ما. قبل أن يفيق من الصدمة، قوات أمن تداهم العمارة التى يسكنها.. يهبط إلى الطابق السفلى، يطرق الباب مستنجدا بجاره المحترم، السفير السابق، دكتور يحيى ــ سمير العصفورى ــ الذى يعطيه، بكل شجاعة، مفتاح شقة خالية، يختبئ بداخلها، ثم يهرب.

قائد هذه الحملة الفاشلة، ضخم الجثة، قوى البنية، يمتلئ شرا، الضابط شكرى ــ خالد سليم ــ يواجه صاغرا، غضب رئيسه، اللواء كمال سليم.

تتوالى الحلقات، معتمدة على فكرة الهارب المطارد، وهى محور مسلسلات ناجحة، سواء فى الخارج أو فى مصر، ذلك أنها إلى جانب توفر عنصر «التشويق»، تكشف عن مناطق وطبقات ونماذج بشرية بالغة التنوع.

من وسائل التشويق التى استخدمها الكاتب، ونفذها المخرج الموهوب، أحمد خالد، على نحو يثبت تفوقه: الملاحقات، الحصار، الصراعات، العقلية والنفسية والبدنية حين تستدعى الضرورة. التآمر والتآمر المضاد، الإبهام، التوقعات الخاطئة، الاتفاقات التى يغدر بها، انقلاب المواقف، المراوغة، الإيهام بأشياء غير حقيقية، المفاجآت، فضلا عن حوارات موجزة، تبتعد تماما عن الثروة، مع نقلات سريعة من مكان لآخر.

البناء البوليسى هنا، يتضمن رؤية اجتماعية، سياسية، أخلاقية، فالمسلسل يتوغل فى أحراش عالم الصحافة، فإلى جانب شرفاء الصحفيين، ثمة رئيس التحرير، جبر ــ محمود الجندى ــ الذى لا ضمير له.. وفى عالم المستشفيات، هناك الطبيب المتعاون مع أجهزة الأمن، فى تعذيب المعتقلين، والقضاء عليهم إذا لزم الأمر.. وفى مهنة المحاماة، يوجد من يتواطأ فى عمليات مشبوهة.. ولا يفوت المخرج، أن يطل على مدينة القاهرة، العاصمة، المتدفقة بالحركة والحيوية، كأنه يذكرنا أن ما يحدث، يقع فى وطننا، وأن ما قد يبدو مجرد «سيرك»، هو منظم إلى حد كبير، يهيمن عليه كبار الحيتان، ممن هربوا الأموال إلى بنوك العواصم الأوروبية.

الأداء التمثيلى، سواء بالنسبة للأدوار الأساسية، أو الثانوية، يصل إلى مستوى رفيع من الإجادة والتناغم، قد يحتاج لوقفة تحليلية خاصة.

الأسرار، فى المسلسل، تتكشف شيئا فشيئا.. خاصة بعد لقاء الهارب، طارق لطفى، الميت الحى، مع الراسخ، المخضرم، فاروق الفيشاوى، واتفاقهما على التعاون سويا. الصحفى، يملك مستندات بأرقام الحسابات، سيسلمها له، نظير معلومات لم تخطر على بال، منها أن عدم قتل عمر نصر، ليس بسبب قدراته فى الجرى والقفز والتسلق، ولكن بأوامر منه شخصيا، ذلك أنه هو ــ اللواء كمال سليم ــ يريد أن يلعب لمصلحته، ولا يفوته أن يخطر «عمر نصر»، وبالتالى يعلمنا ان الرجل المحترم، الذى يؤدى دور سمير العصفورى، ضالع فى اللعب مع الجهاز، شأنه فى هذا شأن رئيس تحرير جريدة «البلد».

بناء على الاتفاق، يتمكن عمر نصر من الخروج، بعد استخراج جواز سفر باسم مستعار.. وبناء على مكالمة تليفونية، يدرك اللواء أن الميت الحى قرر اللعب بمفردته.

«بعد النهاية» ليس عملا مسليا، لكن شديد الأهمية، شجاع، لا يتوانى عن النظر فى عين الحقيقة، نازعا أقنعة النزاهة عن وجوه طيبة، وقفازات بيضاء، تخفى تحتها أنيابا ومخالب.. متسائلا: أين ولمن آلت الأموال المهوبة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات