التعاون بين الغرب والإرهاب - سمير كرم - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 1:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعاون بين الغرب والإرهاب

نشر فى : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 7:50 ص

لابد أن يكون الغرب بزعامة أمريكا قد تبين بكل وضوح أن جيوشه لا تصلح ولا تكفى لكى تقضى على مقاومة الشعوب لسيطرته واستغلاله. لهذا فقد لجأ إلى الإرهاب كوسيلة وأداة للقضاء على هذه المقاومة.

بالفعل لقد تحولت العلاقة بين الغرب والإرهاب، بالأحرى بين الإمبريالية –التى ظلت منذ نشأتها وحتى الآن تستهدف السيطرة على شعوب العالم وثرواتها – والإرهاب منذ البداية الأولى للإرهاب، وحتى فى مرحلته الأولى النظرية وقبل أن يتحول إلى أداة مسلحة للسيطرة، إى إلى علاقة تعاون وتنسيق.

إنما بقى التعاون والتنسيق بين الإمبريالية والإرهاب تحت سيطرة وتوجيه الإمبريالية. واذا ما راجعنا بدايات التعاون والتنسيق بين الإمبريالية والإرهاب لتبين لنا أن السيطرة فى كل الأحوال كانت للإمبريالية. ذلك أن الإمبريالية امتلكت منذ البداية لهذا التعاون والتنسيق القوة السياسية للسيطرة وامتلكت السلاح وامتلكت قدرة التوجيه. وما كان للإرهاب إلا أن يستسلم للإمبريالية استسلاما كاملا بلا حدود فى المرحلة الراهنة من التنسيق والتعاون بينهما.

لهذا يبدو أننا لم ندرس الإرهاب بصورة كافية كشعوب تقاوم الإمبريالية وتريد التخلص منها. لم ندرس الإرهاب بما يكفى للرد عليه. فإننا لم نكتشف العلاقة الحميمة بينه وبين الإمبريالية إلا فى المرحلة الأخيرة التى كشفت عن التنسيق والتعاون بينهما فى المرحلة التى نعيشها الآن. لقد فهم الغرب الإرهاب قبلنا وادرك مدى حاجته إلى المال والسلاح وهما يتوفران بكثرة لدى الغرب الإمبريالى. فهم الغرب أنه ليس للإرهاب انتماء حقيقى، وعرف أيضا أنه ليس للإرهاب ولاء. ولهذا عرف الغرب الإمبريالى أن الإرهاب يتعامل على أساس الولاء أحيانا وضاربا عرض الحائط بهذا الولاء فى أحيان أخرى. ولابد أن نعترف بأن الفرصة اتيحت للغرب لكى يدرس الإرهاب دراسة كافية منذ بداية العلاقة بينهما. بينما لم تتح هذه الفرصة للشعوب المناهضة للإرهابية لتدرس الإرهاب ودوره. وتأخرت الشعوب وقياداتها فى دراسة الإرهاب إلى أن وقعت التجارب الأخيرة التى تمثلت فى الحرب داخل سوريا وقبلها داخل ليبيا ثم داخل العراق. عندئذ فقط أدركت الشعوب – العربية بوجه خاص – أن الإرهاب يؤدى دورا أساسيا فى التعاون مع الإمبريالية الغربية فى مرحلتها الحالية. ما كان للغرب أن يدرس الإرهاب ويفهمه فهما كاملا إلا بعد مرحلته الأولى للتعاون معه. وقد وقعت هذه المرحلة الأولى فى زمن التحالف الكامل بين الإمبريالية الأمريكية والغربية عموما والإرهاب فى حرب أفغانستان الاولى التى جرت فى الثمانينيات من القرن الماضى.

•••

وقد كان من الطبيعى عندما تكررت حرب أفغانستان مرة أخرى، إنما مع اختلاف وحيد هو أن الإمبريالية الأمريكية كانت هى القوة الكبرى التى تحارب فى هذا البلد. ومن ثم فقد اتضح للقوة الإمبريالية الأميركية أن باستطاعتها أن تخوض حربا ضد الإرهاب داخل افغانستان وأن تخوض حربا أخرى فى الوقت نفسه مع الإرهاب لا ضده خارج أفغانستان. والإمبريالية الغربية هنا تستفيد على الجانبين، ضد الإرهاب ومعه فى آن واحد. إنها تستمد مزيدا من المعرفة عن أساليب الإرهابيين فى استخدام السلاح والحصول على المزيد منه. وتبدو الإمبريالية الغربية مطمئنة إلى أنها تستفيد من تجربة العمل مع الإرهابيين. فهى تعرف الآن كيف تتعامل مع الإرهاب الأفغانستانى بوجهيه المناهض لها والمؤيد على السواء. فما كان للغرب الإمبريالى أن يتحالف مع الإرهاب وموجهيه ومدربيه دون أن يقيم علاقات مع قيادات هذا الإرهاب، علاقات تكفى لقيام تفاهم حول المناهج والأهداف المشتركة بينهما. من هنا كان قيام التحالف بينهما على أساس من الدراسة التى اهتم بها الغرب الإمبريالى اهتماما خاصا لا يختلف بأى حال عن الاهتمام الخاص بدراسة الإرهاب الذى يخوض معركة مضادة للغرب الإمبريالى. الآن أصبح بإمكاننا أن نقول – بل أن نجزم – بأن الإمبريالية الأمريكية تعرف جيدا بالتجربة والدراسة معا الوجهين المتعارضين للإرهاب، الوجه الذى يتعاون مع الغرب والوجه الذى يحارب الغرب. فما كان للغرب الامبريالى ان يتحالف مع الإرهاب المسلح دون ان يدرسه جيدا دراسة عميقة وتفصيلية.

•••

من هنا يمكننا الآن أن ندرك اهتمام الغرب – الأمريكى بنوع خاص – بالقيام بالدور الأهم فى تزويد الإرهاب بالأسلحة الأمريكية والأوروبية فى كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن. بل لعلنا نعرف الآن على وجه الدقة من أين تصل الأسلحة من أمريكا وأوروبا إلى المقاتلين الإرهابيين فى هذه البلدان العربية دون عناء بل وبكميات ماكان يمكن تصور حجمها فى الماضى. وربما يتساءل بعضنا كيف يمكن ان تستوعب مصادر التسليح لهذين الطرفين المتناقضين المعنى الكامن وراء هذا التناقض الحاد للتسليح الغربى للإرهابيين الذين يحاربون أميركا الإمبريالية فى افغانستان والإرهابيين الذين يحاربون من أجل اهداف أمريكا الإمبريالية فى البلدان العربية التى تعرضت لهذا الغزو المسلح من جانب التنظيمات الإرهابية القادمة من كل حدب وصوب. ولا يبدو أن هناك صعوبة فى ادراك كيفية مواجهة هذا التناقض : استخدام السلاح الغربى فى حرب مضادة لمصدر هذا السلاح واستخدامه فى حرب من أجل مصدر هذا السلاح. فقد كانت هذه دائما وسيلة الغرب وبالتحديد وسيلة أمريكا لخوض حربين متناقضتين للوصول إلى هدف واحد هو السيطرة على بلدان عربية واسلامية فى منطقة ممتدة قريبا من مواقع القواعد العسكرية الاميركية المطلة على الخليج العربى.

ولا يمكن فى ضوء هذه الحقائق – أو بالأحرى فى ضوء هذه التناقضات – أن نغفل عن حقيقة لا تقل أهمية عن كل ما قلناه حتى الآن. هذه الحقيقة هى أن التنظيمات الإرهابية المتعاونة مع الأمريكيين تزعم فى بياناتها العلنية أنها تسعى إلى قيام دولة إسلامية موحدة بينما تسعى أميركا فى الوقت نفسه وبالأسلحة ذاتها فى حرب واحدة إلى تقسيم وتقطيع البلدان العربية أو الإسلامية التى يمكن بهذه الأسلحة الأمريكية تقسيمها.

لقد استطاعت مصر وحدها حتى الآن أن تنجو من القتال التقسيمى بين البلدان القريبة من المركز. ولكن مصر لا تبدو محصنة وبعيدة عن الأخطار المحيطة تماما. إن حقيقة أن مصر تشكل هدفا لا يمكن أن تغيب عن أحد. وما تقوم مصر به من اتصالات على أعلى المستويات تؤكد أن مصر تدرك الخطر وتعمل على محاصرته

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات