المواطن.. وإصلاح وبناء الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة - سمير عليش - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المواطن.. وإصلاح وبناء الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة

نشر فى : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : السبت 23 أغسطس 2014 - 3:42 م

ما من ظاهرة تسود التطور، مثل التغيير، وهكذا وضع الله تغيير النفوس (الوعى) معيارا وحيدا للإنطلاق لتغيير المصير ومن لا يتغير لا يستطيع أن يصلح... كذلك حياة الإنسان وكذلك حياة المجتمع والدولة. وإتساقا مع ذلك المفهوم فإننى اعتقد ان بطء وسرعة عمليه «إصلاح وبناء الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة» تعتمد لحد كبير على مدى وعى المصريين بمفاهيم أساسية ذات العلاقة منها: حقوق وواجبات المواطن، الحفاظ على كيان الدولة و»دور القانون والسلطة والديمقراطية «ثقافة وإجراءات»، السلوك الحضارى والقضايا السكانية، التنمية المستدامة والقيم الروحية، الدين والدولة، الأصولية والعلمانية، الحرية والشفافية والفساد، الأمن القومى، قيم العمل والعلم فى عصر المعرفة والتكنولوجيا. وقد تشكل هذا الوعى عبر عقود طويلة من الزمن فى إطار: ممارسات مؤسسات الدولة (السيادية والامنية والقضائية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، فضلا على تأثيرات المثقفين والفنانين والإعلامين، ومخرجات التعليم الأزهرى والحكومى والأهلى والخاص والأجنبى، والتلاقح مع المصريين فى الخارج، بجانب انعكاسات الانتفاضات والثورات الايدولوجية والاجتماعية والتحولات الديمقراطية فى مصر والعالم، ومصالح العولمة المتوحشة والصهيونية، والتواصل عبر الفضاء الاليكترونى، وأخيرا وليس آخرا المردود من أنشطة المؤسسات الدينية وقطاع الأعمال والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى «الأفقية والرأسية» المصرية والأجنبية.

•••

ومن قراءة الحراك الشعبى للمصريين والممارسين منهم للسلطة خلال سنوات حكم تحالف «الاستبداد والفساد» السابقة على اندلاع الملحمة الثورية فى 25/1/2011 وحتى تاريخه، اتصور انه يمكن أن نقسم جموع المصريين وفق الأطر الثقافية المشكلة لوعيهم تحت ثلاث مسميات تندرج تحت كل منها عدة سمات شخصية:

القدرى: «بسبب الحكم الإستعمارى والسلطوى»

الصابر والجانح والساعى للاستقرار والستر فى إطار قيم المجتمع الزراعى، المستفيد من الأوضاع السائدة دون تساؤل عن المشروعية الخائف المتكيف مع منظومة الفساد والاستبداد، الأنامالى / والإستهلاكى / والمادى / المظهرى، المتسامى مع المنظومة المجتمعية الرأسية «السلطة، القبيلة، الطائفة».

الضحية : «بسبب غياب الحكم الرشيد»

البلطجى، الماضوى، الفوضوى، اليائس، المتعصب، الغوغائى، الشرس، المنتقم، الفهلوى، الارهابى، الكاره للآخر، الساخط، الفاسد والمفسد.

المتفاعل بـ«العمل / الكلمة / الفن / القلب»

المتطلع إلى اللحاق بالعالم المتحضر، المعتز بمصريته وانتمائتها الحضارية، المضطلع بمسؤولياته الشخصية والطوعية، المطالب والملتزم بممارسة ملكية الوطن عبر «الصوت الانتخابى والصوت الاحتجاجي»، المتوازن بين العقل والقلب، النازح إلى الإيجابية والجسارة والتحدى للحصول على حقوقه الانسانية مع عدم الالتجاء للصراع والعنف وإيذاء مشاعر ومعتقدات الأخر، المتجاوز للإحباطات ولمثالب الديكتاتورية والتخلف والضعف الشديد فى بنية المجتمعين المدنى والسياسى وهشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الحريص على اتقان العمل والتعلم واستخدام التكنولوجيا وفق معطيات عصور الصناعة والمعرفة والتكنولوجيا.

•••

ومما لا شك فيه أن هؤلاء المصريين المتفاعلين الذى نجدهم بين الإناث والذكور وكافة الفئات العمرية (وخاصة الشباب) ومختلف الطبقات «الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، هم المحرك الرئيسى – على مدى السنوات السابقة لاندلاع الملحمة الثورية وحتى تاريخه – للمقترحات والافعال الاصلاحية وللاحتجاجات الشعبية بصورها المختلفة، والتى ادت إلى متغيرات متتالية فى الدستور والقانون وهيكل السلطة عبر تأثيرها الايجابى فى وعى الملايين من المصريين القدريين. وهنا يجب التسليم بفشل الحراك الشعبى والسلطة فى معالجة التداعيات السلبية الناتجة عن فعل وردود فعل ضحايا عصر تحالف الفساد والاستبداد بعد إنهيار المنظومة الأمنية الباطشة فى 28/1/2011، وبسبب اهتزاز ميزان العدالة وعدم تطبيق قواعد العدالة الانتقالية، وأخيرا وليس آخرا كنتيجة لأخطاء وخطايا الفترات الانتقالية (السلطة والمعارضة)، والتدهور المستمر فى الحالة الاقتصادية والاجتماعية.

•••

وتجسيدا لأهمية تأثير الدور الدعوى للمصريين المتفاعلين فى اتجاه توعية المواطنين القدريين بمفاهيم وإيجابيات «التغيير»، عبر المنابر الثقافية والاكاديمية والاعلامية والمدنية والسياسية، وعبر التجمعات والترابطات الشعبية مثال: «كفاية، 6ابريل، صوتى مطلبى، وثيقة مستقبل مصر، الجبهة الوطنية للتغيير، الجمعية الوطنية للتغيير، ائتلافات الشباب،....الخ»،

أعرض عليكم التحول الإيجابى الذى لمسته فى شخصية السيد محمود احمد عبدالحميد (حارس عمارة بالمعادى اعرفه منذ سنوات كنموذج للمواطن القدري). لقد فوجئت بعد اسبوع واحد من عزل رأس نظام تحالف الفساد والاستبداد، بدعوى موجهة من السيد محمود لكل مصرى (يحب مصر) طبقا لتعاليم دينه «مسلم او مسيحى» يقوم بعرضها على كل المترددين على العيادات والشركات والسكان بالعمارة يقول فيها: «رجاء من القلب / نرجع نحب بعض، من النهاردة دى بلدك انت/ حافظ عليها بأيدك انت، اوعى تعمل غلط / واوعى تسكت على الغلط، ماتكسرش اشارة / وماترميش زبالة، ماتخدش رشوة / وماتدفعش رشوة، اطلب اللى ليك / وادفع اللى عليك، انصح الصغير/ واحترم الكبير، اوعى تعاكس بنت / واوعى تهين حد، اوعى تذل حد / واوعى تستغل حد، ابدأ عملك بأمانة / وراعى عملك بأمانة»، ثم يستطرد محمود» اشتكى اى جهة تقصر فى شغلها ولكن، ما تسمحش لضابط يظلمك / وماتظلمش الضابط اللى بيخدمك، استمتع بحياتك وأقرأ وثقف نفسك / وحب نفسك وحب الناس اللى حواليك، طالب بحقك على طول / وماتقولش وانا مالى، اوعى تنسى حريتك ابدا / وأشهد شهادة حق، خلى بلدك اجمل بيك / وحب الناس اللى حواليك». ثم يشير «محمود» إلى احساسه بالانتماء وملكيته للوطن، لا يوجد من الآن أموال حكومة بقت أموال الشعب يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها والوقوف ضد من يحاول سرقتها. وقد انهى «محمود» دعوته بتحية مصر وشباب الثورة والترحم على الشهداء.

وردا على التساؤلات التى قد يطرحها البعض بشأن ما طرأ على تلك الشخصية حتى تاريخه. لقد شارك «محمود» فى العديد من الاحتجاجات الشعبية خلال كافة الفترات الإنتقالية مناديا بأفكاره، وأدلى برؤيته الإستحقاقات الانتخابية. ولقد لاحظت مؤخرا فى عينيه وكلماته الإحباط من ناحية، وبالأمل فى «تغيير المصير» من ناحية أخرى.

•••

واخلص إلى أن عملية إصلاح وبناء الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة التى تحقق لكل مواطن «الحرية / الكرامة / العدالة / العيش» وتستهدفها الملحمة الثورية التى اندلعت فى 25/1/2011 وموجاتها المتتالية حتى 30/6/2013، تعنى الحاجة إلى بذل جهود مكثفة (قد تستغرق سنوات) «لتغيير وعى» الملايين من المصريين بالمفاهيم الأساسية ذات العلاقة (software). واننى ازداد ثقة يوما بعد يوم من تراكم خبرة المواطنين المتفاعلين (وخاصة جموع الشباب منهم)، الذين سيمضون قدما فى عملية «تغيير المصير»، عبر جهودهم «الطوعية» الفردية والجماعية: الدعوية (تجاه المواطن القدرى)، والخدمية (تجاه المواطن الضحية)، والضميرية بمعنى المساندة بالنقد البناء وفق المواثيق الدولية (تجاه السلطة). وأظن ان تلك الجهود سيتم تكثيفها – رغما عن كافة التحديات متضمنة محاولات الثورة المضادة لتزييف الوعى – إكراما لشهداء وضحايا الملحمة الثورية. لأن «البديل» (فى نظرى) سيحول أغلبية المصريين إلى ضحايا وسيبقيهم اسرى لمنظومة التخلف الاقتصادى والاجتماعى والثقافى، وعبيدا للتبعية والهيمنة الخارجية.

سمير عليش: أمين عام المركز الوطنى لمساندة المنظمات الأهلية

سمير عليش  ناشط في مجال الشأن العام
التعليقات