بمناسبة الفيلم الكوميدى.. الخلبوص - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بمناسبة الفيلم الكوميدى.. الخلبوص

نشر فى : السبت 22 أغسطس 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 22 أغسطس 2015 - 9:15 ص

«الخلابيص» كثر، على شاشة السينما المصرية، تربطهم قرابة بالجد الكبير، ذائع الصيت «دون جوان»، الذى أبدعه الإسبانى، تريسو دى مولينا، فى بداية القرن السابع عشر، ومن إسبانيا انتقلت إلى فرنسا حيث قدمه الكاتبان المسرحيان: كورنى، وموليير، ثم ظهر فى انجلترا، على مسئولية اللورد بيرون وبرناردشو، وفى إيطاليا، كتب جولدونى مسرحية «دون جوان، زير النساء».. ومن أوروبا، انتقل إلى معظم قارات العالم، وظهر فى الأوبرات، وعشرات الأفلام، مما يعنى أنه صاحب شخصية مؤثرة، تتجاوز الزمان والمكان، تتمتع بسحر ما، يجعلها قابلة للمشاهدة، بشغف، هناك وهنا.

الخلبوص، أو الدون جوان، براق المظهر، حلو الحديث، مهذب غالبا، لكنه على درجة عالية من الأنانية، رغبته لا تخفت فى النساء، لا يقيم وزنا للقيم الأخلاقية، ولا يحترم علاقات الآخرين، يرمى شباكه، فورا، على ضحاياه، يمطرهن بوابل من معسول الكلام، وبعد أن يقضى وطره، يهجرهن بلا تردد.. هو كاذب، دافئ من الخارج، رقيق، فى ذات الوقت، مخادع، لا يلتزم بوعوده، يتخلى عمن خفق قلبها له، متجها إلى أخرى.

من الشروط التى لابد من توافرها فى «الخلبوص» أو الدون جوان، أن يكون ثريا، ويفضل انتماؤه إلى الطبقة الاستقراطية، يرتدى أفخم الثياب، يأكل ويشرب متبعا قواعد «الإتيكيت»، وطبعا، لم نسمع عن «خلبوص» أو دون جوان يعانى من الفاقة، أو غلظة السلوك.

المفارقة أن قطاعا من النساء، ممن يترفعن، ويهاجمن «الخلبوص» علنا، يقتربن منه سرا، ربما يثير فيهن الرغبة فى التحدى، أو الميل للمغامرة مع الثقة الزائدة فى النفس.. وقد أدرك هذه المفارقة يوسف وهبى، خلال واحد من أدواره الجميلة، فى «إشاعة حب» لفطين عبدالوهاب ١٩٦٠، فبصفته «خلبوص» قديم، متجدد النشاط، يعلم تماما أن ابنته، سعاد حسنى، ترفض الارتباط بابن أخيه الطيب، المستقيم أخلاقيا، عمر الشريف.. لذا يلجأ لحيلة تثبت، كذبا، أن المرفوض، منغمس فى «الخلبصة». حينها، يتحرك وجدان ابنته نحو الدون جوان المتخفى.

قبل «إشاعة حب» بأكثر من عشرة أعوام، يطالعنا محمد فوزى، فى «فاطمة وماريكا وراشيل» لحلمى رفلة ١٩٤٩، ليقدم صورة طريفة، متسامحة، للخلبوص: يوسف «محمد فوزى» الثرى، المرح، خفيف الظل، مخادع، يعيش حياة لاهية، يتسلل لقلوب البنات، منتقلا من واحدة للثانية، ومنهما للثالثة. لا يتورع عن التقدم لخطبتهن، ببساطة، ثم يتخلى عنهن فورا.

أبوالسعود الإبيارى، كاتب سيناريو وأغانى «فاطمة و.. و..» المتأثر بالمسرح الفرنسى، يبدو، مستوعبا تماما لموقف «دون جوان» من تنوع النساء الذى يفجر عواطفه على نحو لا راد له.. فى واحدة من أغانى الفيلم، بلحن محمد فوزى، تقول الكلمات «أنا أحب الجمال طول عمرى ـ وأميل للبيضا والسمره ـ وأتشوق للون الخمرى».

حكاية «دون جوان»، فى الأصل، تنتهى نهاية فاجعة: الشاب الماجن، يلقى حتفه فى ميتة مروعة حين تمتد يد إليه، من داخل إحدى المقابر كى تصافحه، وفورا، تسحبه بقوة إلى داخل المقبرة.
فى الأفلام المصرية، الأميل للمصالحة، والختام السعيد، غالبا، ينتهى «الخلبوص» بالتوبة، والاقتران بواحدة فقط، وربما الندم على ما اقترفه فى حق ذوات الكعوب الناهدة.

على الشاشة، معظم نجومنا، مارسوا «الخلبصة»، كل بطريقته، وأسلوبه: أحمد رمزى، الولد الشقى، المفعم بالحركة والنشاط، المندفع بكل عنفوانه، نحو هذه البنت وتلك. إنه نقيض الفتى الوديع، المخلص، عبدالحليم حافظ، فى «أيام وليالى» لهنرى بركات ١٩٥٥، «أيامنا الحلوة» لحلمى حليم ١٩٥٥.. ثم، انطلق، منفردا، وقد طارت أزرار قميصه العلوية، مظهرا بعضا من شعر الصدر، يقود عربة مكشوفة السقف، تمتلئ بالحسان الضاحكات.. إنه ثرى، وطائش، يجد دائما من ترحب به، لكنه غالبا، يتوقف عن ألاعيبه، خاصة حين يلتقى، أخيرا، بفتاة ملائكية الطابع، يجد عندها الحب الحقيقى.

تنويعات على أحمد رمزى، تجدها، عند حسن يوسف، ويوسف فخر الدين.. سلوكهم، غالبا، يتسم بالنزق، وشىء من الصبيانية، يختلفون تماما عن عادل أدهم، الوحشى الطباع، ومن قبله، المتظاهر برقة التصرفات: استيفان روستى.

عماد حمدى، محسن سرحان، يحيى شاهين، من سلالة لا علاقة لها بـ«دون جوان»، بل يبدو الأخير، معاديا للدونجوانية، وبالتالى للمرأة، يتعامل معها على نحو فظ، بالغ الخشونة، سواء كانت الفتاة الرقيقة، ماجدة، فى «هذا الرجل أحبه» لحسين حلمى المهندس ١٩٦٢، أو نجمة الإغراء، هند رستم، فى «رجل بلا قلب» لسيف الدين شوكت ١٩٦٠.. وكما أن المرأة، فى النهاية، هى التى تعيد «الخلبوص» إلى جادة الصواب، تنجح أيضا فى إضاءة المناطق المظلمة فى قلب المتعسف، الكاره للنساء، والحياة.

من بين كل الخلابيص، ينهض رشدى أباظة، متألقا، ساحرا، متمتعا بشعبية جارفة، حتى بعد رحيله ١٩٨٠، ذلك أنه يتمتع بامتلاك مفاتيح الدون جوان: ثرى، أنيق، دافئ، متفجر بالحيوية، صاحب وجه حلو التقاطيع، متسق، خفيف الظل، يميل للمرح، متحمس، يتقن الخداع، منساق فى عشق النساء. إنه يجمع مجمل أدوات الخلابيص، حتى إن عدد ضحاياه فى «الزوجة ١٣» لفطين عبدالوهاب ١٩٦٢، يصل عددهن إلى «دستة»، قبل أن تروضه شادية، فيبدو ـ والله أعلم ـ أنه سيتوقف عن ممارسة الدونجوانية.

مشوار الخلابيص، فى السينما المصرية، يصل لمحمد رجب، فماذا فعل وكيف بدا؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات