عيد ميلاد.. مارى كوين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيد ميلاد.. مارى كوين

نشر فى : الإثنين 22 أغسطس 2016 - 9:00 م | آخر تحديث : الإثنين 22 أغسطس 2016 - 9:00 م

برغم اشتراكهما فى أمور جوهرية، إلا أنهما يختلفان فى التفاصيل: آسيا وابنة اختها مارى كوين، التى نحتفل هذا العام، بعيد ميلادها المائة.
آسيا «١٩٠١ ــ ١٩٨٦»، جاءت إلى مصر ١٩٢٣، مع وليدتها «الين»، التى أصبح اسمها «منى» على شاشة السينما. بعد سنوات قليلة، شدت شقيقة آسيا الرحال إلى الاسكندرية، مع طفلتها «مارى»، لتقيم معها فى بيت عمها، أسعد داغر، الصحفى بجريدة الأهرامك، التى كانت تصدر حينذاك، من الثغر السكندرى، الفاتح ذراعيه بترحاب لأبناء الأمة العربية.
عشق آسيا للسينما، انتقل إلى مارى.. شاركا سويا فى الفيلم المبكر «ليلى» ١٩٢٧، الذى توالى على إخراجه وداد عرفى، استيفان روستى، عزيزة أمير. سريعا، انتقلت الوافدتان من فيلم لآخر: «غادة الصحراء» لودادر عرفى ١٩٢٩ «وخز الضمير» لإبراهيم لاما ١٩٣٣، «عيون ساحرة» ١٩٣٤، للمخرج المثقف أحمد جلال، المتمتع بحساسية قادته إلى الاستفادة من التباين الجمالى لكل منهما.. آسيا ذات الحضور الراسخ بعيونها الواسعة المتحدية، تشعان بالعزيمة، بسبب حاجبيها الرفيعين، فضلا عن شفتيها اللتين توحيان بالإصرار.. لذا، أسند لها مخرجها الأثير، أحمد جلال، أدوار الشخصيات العاتية، المتسمة بصلابة داخلية، مثل «شجرة الدر» ١٩٣٥.
أما مارى كوين ذات الوجه الشفاف، بعيونها الجانية المستامحة، الباعثة على الطمأنينة، مع ظل ابتسامة لا تفارقها، فإنها غدت تجيد أدوار البنت الطيبة، المتمسة بنبلها، براغم ما يحيط بها من خطوب.
فى قائمة أفلام مارى كوينى، نتوقف عند «إلهام» ١٩٥٠ ليس بسبب جودته، لكن لأن كاتب قصته، هو ناقدنا الكبير محمد مندور، الذى أعلن توبته عن الكتابة للسينما، عقب مشاهدته لما فعله مخرجه الضعيف فنيا، بهاء الدين شرف، المتدخل فى السيناريو، مع آخر اسمه محمود رشاد. الفيلم مفكك، تتوالى فيه حكايات البنت المسكينة إلهام، التى نتقل من مأزق إلى مأساة إلى كارثة، فى أجواء من المليودراما التى لابد أن تكون أزعجت محمد مندور.
اجتهدت «مارى كوين» فى الأداء التمثيلى شأن آسيا، اعتمادا على موهبة تلقائية، يعوزها الصقل والدراسة.. هما، فى هذا، لا يختلفان كثيرا عن الجيل الأول من الممثلات. لكن بحكم الزمن، ظهر جيل جديد، إما مدجج بموهبة أهرى، إلى جانب التمثيل، مثل الغناء، حيث ظهرت شادية، صباح، ليلى مراد، هدى سلطان. أو راقصات استعراضيات كنعيمة عاكف، تحية كاريوكا، سامية جمال. بالإضافة لمن تفهموا فن الأداء، بمعناه الحديث، على يد زكى طليمات، وأساتذة التمثيل، فى «المعهد العالى لفن التمثيل العربى»، حيث تخرجت فيه فاتن حمامة.
توقفت آسيا عن الظهور على الشاشة، بعد فيلم «الهانم» لهنرى بركات ١٩٤٤. اعتزلت مارى كوين التمثل عقب «نساء بلا رجال» ١٩٥٣. لكن السيدتين لم يبتعدا عن السينما، بل على العكس، ازداد التقصاقهما بها، أصبحت الهواء الذى يتنفساه، الدم إلى يسرى فى عروقهما. مؤسسة «لوتس»، ظلت نابضة بالحياة، برغم عثرات صناعة السينما التى دمرت الكثير من شركات الإنتاج. تحت صورة الزهرة الفرعونية الفاتنة تتألق أسماء بركات، كمال الشيخ، حسن الإمام، حلمى رفلة. كما سيبقى فى الذاكرة الثقافية عشرات الأعمال الكبيرة: «أمير الانتقام» لبركات ١٩٥٠، «حياة أو موت» لكمال الشيخ، «رد قلبى» لعز الدين ذو الفقار ١٩٥٧. ثم «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين ١٩٦٣.
مارى بطرس يونس، اختار لها وداد عرفى اسم «كوين» بدلا من «بطرس يونس»، كى يصبح المعنى «مارى ملكتى»، وربما، حسب ما كتبته منى غندور، فى كتابها الشائق «سلطانات الشاشة»، يعنى «الغد المشرق». أيا كان الأمر، مارى كوين تزوجت أحمد جلال عام ١٩٤٠، أنجبت «نادر»، الذى أصبح أحد أهم المخرجين فى مجال أفلام الحركة والتشويق. مارى تعلمت فن المونتاج، غدت خبيرة فى قراءة السيناريوهات، متابعة خطوات الإنتاج، انطلقت فى المشروعات مع أحمد جلال، ربما يكون أهمها، إنشاء استوديو جلال فى حدائق القبة، على خمسة أفدنة، مزود بأحدث الأجهزة. لكن فى نوبة من حظ عاثر، توفى أحمد جلال فى لبنان ١٩٤٧، أثناء رحلة نقاهة مع «مارى» وطفلهما نادر.
مرت «مارى» بفترة قاسية، مرتبكة، خاصة أن الاستوديو لم يستكمل، الديون تجاه البنك الذى لا يرحم تتضاعف. لكن بإرادة من فولاذ، تمكنت السيدة الرقيقة من الصمود، واصلت العمل بدأب، انتهت من بناء الاستوديو، وبناء وحيدها «نادر»، وبناء مخرجين جدد، على رأسهم يوسف شاهين الذى أنتجت له «ابن النيل» ١٩٥١.
مارى كوين رحلت عام ٢٠٠٣، تاركة لنا عشرات العطايا، ربما أهمها، أمثولتها الشخصية، كامرأة عربية لبنانية مصرية، لم تتوقف لحظة عن البناء، بمحبة وإخلاص.
مارى.. كل عام وأنتِ طيبة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات