وزير من كوكب تانى - محمد عصمت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وزير من كوكب تانى

نشر فى : الإثنين 22 أغسطس 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 22 أغسطس 2016 - 9:10 م

بعد أن فشلت وقائع فساد صوامح القمح، التى تعدت النصف مليار جنيه بحسب بعض التقديرات، فى الإطاحة بوزير التموين خالد حنفى من منصبه الوزارى المهم، اندلعت مدفعية النائب مصطفى بكرى الثقيلة لتتهم وزيرالفقراء بأنه يعيش حياة الملوك فى فندق سميراميس، بإنفاقه أكثر من 7 ملايين جنيه خلال إقامته فى أحد أجنحته طوال 3 سنوات مع طاقم حراسته، رغم توجهات الحكومة التقشفية، ومطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسى لسيدات مصر بالحد من الاستهلاك، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التى نواجهها!
فى هذا الوضع الاقتصادى الصعب، تبدو للوهلة الأولى أن إقامة الوزير فى هذا الفندق الضخم -اذا صح انها كانت علي حساب الحكومة- وكأنها عملية «انتحار سياسى» مع سبق الإصرار والترصد، فكيف لوزير المفترض أنه منحاز للفقراء، وعضوا بحكومة تعد المصريين بقرارات صعبة يقبل على نفسه أن يعيش هذه الحالة المستفزة من الترف المبالغ فيه؟!
لا أحد يفهم بالضبط تضاريس وخفايا المساحة المظلمة بين حياة الرجل المرفهة، وسياساته كمسئول عن فقراء مصر، إلا عبر تفسير واحد لا ثانى له، وهو أن الرجل بلا موقف فكرى ــ اجتماعى محدد، وأنه يمارس عمله كمسئول عن طعام ملايين الفقراء فى مصر، بلا أى انتماء أو إخلاص سياسى حقيقى للقضايا المفروض إنه يتبناها ويدافع عنها.
بشكل أو بآخر، تبدو سريالية المشهد السياسى الراهن فى مصر، بل عبثيته المفرطة، ساطعة كالشمس فى عز الظهر، وهى تخرج لنا لسانها فى منتصف المسافة بين فندق سميراميس، وأى فرن بلدى بأى منطقة شعبية، فالوزير الذى نجح فى توفير رغيف الخبز لمحدودى الدخل، بأسعار رخيصة، وبدون طوابير كانت تنتهك آدمية المصريين، كما نجح فى توفير السلع الأساسية واللحوم السودانية فى المجمعات الاستهلاكية بأسعار مناسبة، يعطى لنفسه الحق فى أن يعيش فى «كوكب تانى»، وبدلا من أن يكون قدوة للمصريين، اختار أن يعيش حياته بكل هذا التناقض الصارخ مع توجهات حكومته ورئيسه ليصبح مثل «النغمة النشاز»، وأن يقدم لخصومه السكين الذى استخدموه فى ذبحه سياسيا، رغم ذكائه الكبير، والذى اختبرته خلال لقائى الوحيد معه فى ندوة استضافته فيها جريدة «الشروق»، منذ عدة أسابيع.
قد يستطيع الوزير إقناع المصريين ببرائته من قضايا فساد صوامع القمح، وبأنه لا تربطه أى علاقة بمافيا استيراد الأرز والسكر، ولكنه لن ينجح أبدا فى إقناعهم بقبول مبرراته فى الإقامة بسميراميس، حتى لو قدم إقرار ذمة مالية تبرىء ساحته، وأنه دبر هذه الملايين السبعة من مصادر شرعية.
ومع ذلك، فللصورة جوانب أخرى مظلمة، فلا أحد يعرف من هى الجهة التى قررت فتح النار على الوزير؟ هل هى جهات فى السلطة.. أم عناصر فى مافيا الاستيراد التى ترتبط مع بعضها بشبكات عنكبوتية سرية تدافع عن مصالحها المالية التى تتعدى مليارت الدولارات؟ ثم هل وزير التموين هو وحده الذى يعيش هذه الحياة الملكية، أم أن هناك وزراء آخرين ينافسونه، ويتغلبون عليه فى الاستمتاع بمباهج الحياة، فى بلد يعيش أكثر من 27% من أبنائه تحت خط الفقر المدقع، وهو رقم مرشح للزيادة بعد وصفة صندوق النقد الدولى!
لا أحد يستطيع أن يدعى امتلاكه إجابات شافية على هذه الأسئلة، فالوزير هو الابن الشرعى لهذه المرحلة التى نعيشها، التى تراجعت فيها أهمية الإيديولوجيا والمرجعيات الفكرية، وأصبحت فيها السياسة «ماسخة» بلا طعم ولا لون ولا فعالية، وبلا آليات واضحة تحدد المسار الأخلاقى والقيمى التى يتحرك فيه كبار السياسيين، وهو أمر يؤكد بوضوح أن وزير التموين لن يكون أول الوزراء الذين يعيشون فى كواكب أخرى، وأنه لن يكون أيضا آخرهم!

محمد عصمت

محمد عصمت كاتب صحفي