لنصلح ما بأنفسنا لكى يحبونا ويحترمونا - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لنصلح ما بأنفسنا لكى يحبونا ويحترمونا

نشر فى : الأربعاء 22 سبتمبر 2010 - 10:11 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 سبتمبر 2010 - 10:11 ص

 فى الأسبوع الماضى كتب الأستاذ فهمى هويدى فى جريدة «الشروق» متسائلا: «لماذا يكرهوننا؟» لافتا النظر لوجود تراكم لحملات الكراهية ضد الإسلام أساسا وضد المسلمين بالتبعية، فى مختلف بقاع العالم الغربى، الذى يرفع راية العلمانية، ويسبح بحمد معاداة السامية. وفى محاولته تلمس ما يمكن اعتباره أسبابا منطقية لتصاعد هذه الحملات، إلى حد حمل قسا مأفونا لا يتجاوز أتباع كنيسته المائة يبحث عن الشهرة بالدعوة لإحراق القرآن، بعد توالى صيغ للطعن فى الإسلام من رسومات كاريكاتورية مسيئة للرسول، إلى اعتداءات فردية وصلت حد القتل، وقوانين تحد من حريات المسلمين من مواطنى دول أوروبية، وشيوع ما بات يعرف بالإسلاموفوبيا.

ورغم أن بعض تلك الأحداث اتخذ شكل أفعال فردية، فإننا أصبحنا نواجه تنامى تيار يعادى الإسلام والمسلمين، بل اكتسابه شعبية متزايدة، مما ينذر بمشكلة حقيقية مرشحة للتصاعد إزاء عالم إسلامى تعداده مليار ونصف المليار. ودعا بحق لضرورة إجراء مناقشة أوسع يشترك فيها آخرون من أهل الغيرة والنظر، أخذا فى الاعتبار التأثير على مستقبل فلسطين كدولة كاملة الاستقلال وحامية للقدس والمسجد الأقصى.

وباعتقادى أن الصورة لا تكتمل وتصبح جاهزة للنقاش إلا إذا تبصرنا فى سلوكيات المسلمين، دولا وجماعات وأفرادا من ناحيتين: الأولى هى موقفنا من تصرفات الآخرين، وهو ما يندرج فى نطاق رد الفعل الذى طغى على الفكر العربى والإسلامى، والثانية هى التعرف على موقعنا نحن من مسار الحياة البشرية، التى تقودها حضارة طغت على كوكب الأرض، وادعائنا بأن هناك حضارة يمكن وصفها بالإسلامية وأنه لا صحة للادعاءات بأنها معادية للحضارة الغربية. ولا يمكن أن نحدد موقفنا من الآخرين إلا إذا اقتنعنا بأننا نملك ما نعتز به وندافع عنه، عدا الدفاع عن عقيدة هى فى واقع الأمر براء مما نحن فيه.

من سخرية القدر أن الغرب بحضارته يلصق بنا حضارة ينسبها إلى الإسلام، ومن ثم يعبر عن كرهه لنا وللإسلام معا. ولو تأملنا أحوالنا وجدنا أننا بداية نكره أو نحتقر بعضنا البعض. ولست بحاجة للتذكير بتلك الفورة، التى أطلقتها مباراة مصر والجزائر تندد بكره العرب لنا، والدعوة إلى الرد بالمثل. وما يحدث فى لبنان، التى خاضت حربا أهلية وانتهت إلى صراع داخلى يلعب فيه الإسلام بل والمسيحية أدوارا غريبة الشأن، رغم ما جبل عليه اللبنانيون من الانشغال بأمور الدنيا مما قربهم عمن عداهم إلى قلوب الغرب. والذى يتطلع إلى الخريطة العربية يكاد يجزم بأن صفة العربى سوف تنحصر فى اللغة، بل إن اللغة ذاتها أصبحت مرتعا خصبا للعبث فى عصر العولمة الذى لا ندرى لأنفسنا موقعا فيه.

وتحت وهم أن السوق الأوروبية المشتركة هى التى وحدت أوروبا، تتوالى الحسرات حول عجز العرب عن بناء سوقهم المشتركة عبر أكثر من نصف قرن، وقصور جهود المسلمين فى إقامة شىء يدعى السوق الإسلامية المشتركة، لا أساس له فى النظرية أو الواقع. وينتهى بنا فشلنا فى إقامة نظم تعليمية قادرة على تمكين البشر من مواجهة شئون العصر، وتشتتها بين ما يسمى تعليم إسلامى وآخر لغات وثالث حكومى، واستيراد جامعات أجنبية، تهيئ الجيل القادم لتفكك ثقافى يعصف بهوية أبنائه، ويقوّى حافز الهجرة إلى الغرب الذى يقال إنه يكرهنا، ليجده يوصد أبوابه فى وجه من يعتنقون الإسلام.

إن القضية الأولى بالمناقشة هى كيف نعيد بناء مجتمعاتنا على نحو يستوعب كل ما أضافه الزمان من حداثة وتجديد، وما حققته الحضارات الناشطة من تفاعل مع التطور الذى لا يتوقف فى المعرفة، التى أدرك المفكرون مؤخرا أنها العنصر الفاعل فى حياة البشر، إذا تجاوزت ما سبق إدراكه من معارف وأفلحت فى إبداع وإضافة ما يثرى الحياة، ويطلق قوى الإبداع، ويعزز القدرة على العطاء.

لقد كان قرار كراهية الآخرين لنا أو لنقل صراحة احتقارهم لفعالنا، هو قرارنا نحن حين وضعنا أنفسنا موضع الأخذ دون عطاء، سواء الأخذ من السلف الذين اندثرت الحضارات التى عاشوها أو من الغرب الذى نلهث وراءه، وجعل الحوار بين الأنا والآخر محصورا فى نطاق الأبعاد، التى ترسمها هذه الحضارة، وليس فى الأسس التى تقوم عليها، كما هو الحال بالنسبة للخلافات التى تثيرها المقومات العقائدية والاجتهادات بشأن تفسيرها.

وبعبارة أخرى فإن الثقافات التى تمثل مجموعة الأساليب، التى يتعامل بها البشر مع معطيات الحياة ومع متطلبات التقدم قد تتباين فيما بينها نتيجة اختلاف البيئات، التى كونتها المعالم الجغرافية والتاريخية، ولكنها تنتمى إلى نفس الحضارة بما يسمح بقدر من التقارب يهيئ لإمكانية التعايش فى سلام ووئام واحترام متبادل، ومن ثم تصبح صفة التعددية صفة هيكلية أصيلة وليست مجرد مخرج من مشكلة احتدام التباين، الأمر الذى يجعل النظرة إلى الديمقراطية نتيجة منطقية لهذا التلاحم وليست مجرد حل يستعار من خارج المجتمع تدعو إليه نخبة تنطلق من قواعد فكرية غريبة عليه.

فى ضوء ما سبق يبدو أن الأولوية فى المجتمعات الإسلامية يجب أن تعطى لمراجعة المنظومات الثقافية لكى يزال عنها المسخ الذى شتتها بين دعاوى سلفية جردها الزمن من جدواها، ومحاكاة لمظهريات تستقى من الحضارة، التى فرضت نفسها على حاضر تغيب عنه البيئة، التى تجعله صالحا لارتقاء الآخذين بها سواء فى قدرتهم على العطاء أو فى حصولهم على إشباع مما تيسره من أسباب الرفاهية.

الأمر الآخر أنه يجب تأجيل المدخل الاقتصادى المتمثل فى تحرير التجارة البينية وإقامة سوق مشتركة إلى ما بعد إقامة قاعدة إنتاجية صلبة وتحقيق تنمية مشتركة تتمحور حول البشر وغرس ما يلزم لذلك من قيم. وهنا تتبدى أهمية المشروع النهضوى العربى، الذى طرحه مركز دراسات الوحدة العربية وعرضه الدكتور أحمد يوسف أحمد فى 25 من شهر مارس الماضى على صفحات الشروق.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات