السيسى ورسائله - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السيسى ورسائله

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2014 - 7:55 ص

تصريحاته سبقته إلى نيويورك ورسائله شغلت القاهرة قبل أن يغادرها.

بحسب صحفيين فى وكالة «أسوشيتدبرس» الأمريكية جرى ترتيب الحوار على مهل غير أن توقيت النشر استحوذ على نقاش طال بعض الشىء بين الرئاسة والوكالة.

لم يكن من حوله متحمسين لنشر الحوار قبل وصوله إلى حيث يشارك فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بينما الوكالة ألحت لأسباب مهنية على التبكير حتى يكون انفرادها مؤكدا.

فى التصريحات عنوانان رئيسيان تعوزهما التفاصيل، والتفاصيل هنا حاسمة.

الأول استعداده للمضى فى الحرب على الإرهاب إلى النهاية داعيا إلى استراتيجية شاملة لمعالجة جذور التطرف فى المنطقة لكنه لم يفصح عنها.. والثانى ميله لإفساح المجال أمام الذين لم يتورطوا فى العنف من جماعة الإخوان المسلمين للاندماج بالحياة السياسية والكلام بذاته ليس جديدا لكنه يؤشر على توجهات محتملة بالمدى المنظور.

قبل إطلالته الأولى على العالم من فوق منصة الأمم المتحدة حاول أن يجيب مقدما عن الأسئلة الشائكة التى قد تطرح عليه فى مداولات الغرف المغلقة بعناوين عامة تضفى عليه فى وقت واحد صفتى الحزم مع الإرهاب والتسامح فى السياسة.

فى الحزم ما يتسق مع طبيعته العسكرية، وهو ضرورى فى مثل هذا النوع من الحروب الطويلة والمكلفة غير أنه يتطلب إحكام التصورات الأساسية.

لا حزم بلا خيارات رئيسية يتحرك تحتها إلا أن يكون نزوعا للقوة بلا سياسة.

استبعاد التدخل العسكرى فى الحرب على «داعش» على ما استنتجت الوكالة الأمريكية من تصريحاته خطوة على الطريق لكنها ليست الطريق كله.

فى كل خطوة فرص وكمائن، فالحرب على «داعش» لا يمكن كسبها دون الاقتراب من «العقدة السورية».

الإدارة الأمريكية تتحدث عن تدريب وتسليح وتمويل المعارضة «المعتدلة» حتى تكون مؤهلة لخوض حرب مزدوجة ضد «داعش» و«النظام» معا والحليف السعودى يندفع إلى هذا الخيار رغم عدم واقعيته من الناحيتين السياسية والعسكرية.

الخيار نفسه تحرض عليه تركيا وحماسها لتقويض حكم «بشار الأسد» أكبر من سعيها لاجتثاث «داعش».

من جانب إيران أهم لاعب إقليمى بأية حسابات فى الملفين العراقى والسورى فإن هذا الخيار لا يمكن تقبله على أى نحو وتحت أى ضغط.

من تبعاته إيرانيا مناهضة إمداد السلاح بإمداد مقابل والحليف الروسى جاهز لإمدادات أخرى بأسلحة أكثر تقدما.

لا توجد استراتيجية أمريكية متماسكة أو شبه متماسكة فى الحرب على «داعش» وفى فراغ الاستراتيجية يرتفع منسوب أدوار القوى الإقليمية بأكثر مما هو معتاد فى أية حروب سابقة خاضتها الولايات المتحدة فى المنطقة.

تتجلى هنا أهمية الدور المصرى فى أن يخرج على العالم برؤية أكثر تكاملا تعطى للعناوين زخمها وتضفى على حركته حيوية يفتقدها فى محيطه.

المحك الرئيسى لكفاءة الأداء المصرى فى الحرب على الإرهاب تلخصه العقدة السورية.

كيف نوقف نزيف الدم السورى وندحر التنظيمات التكفيرية المتوطنة ونفسح مجالا جديدا لتسوية سياسية تعيد الأمر كله لأصحابه الحقيقيين، للشعب نفسه لا لنظام «الأسد» ولا لمعارضيه.

هذه مسألة حاسمة وإلا فإن الحرب على «داعش» سوف تفضى لتقويض سوريا دون أن تنقذ العراق وتمدد براكين النيران إلى دول أخرى تضاف إلى اليمن وليبيا أولها لبنان ومصر نفسها على القائمة.

الحزم الضرورى مع الإرهاب يتطلب رؤية متماسكة فى النظر إلى الإرهاب وأسبابه و«داعش» وظاهرتها، والظاهرة أخطر من التنظيم ورؤية أخرى أكثر نفاذا فى تعقيدات الوضع المصرى.

بنص تصريحاته «أقول لكل شخص لم يمارس العنف.. الفرصة سانحة للمشاركة فى الحياة السياسية».

عبارته تنصرف مباشرة إلى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الأعضاء لا التنظيم.

هذه الملاحظة الأولى على تصريحاته المثيرة التى دوت فى القاهرة قبل أن يغادرها وتنتظره فى نيويورك تساؤلات إضافية عن حدود ما يقصده ووسائله فى إنفاذه.

بالنسبة إليه هناك جسر يربط بين عنوانى «الحزم» و«التسامح»، فهو إن لم يتحرك لحسم الموقف بعد التظاهرات الحاشدة فى (٣٠) يونيو التى دعت لإطاحة حكم الإخوان فإن «مصر كانت ستواجه حربا أهلية وسفكا للدماء مثلما حدث فى سوريا والعراق» بحسب تصريحاته.

الجملة المفتاح فى تصريحاته اللافتة أن «الجماعة اختارت المواجهة»، وهذه عقدة الموضوع كله.

ما بعد الاحتكام للسلاح يصعب أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه.

أيا كانت نواياه فالمسألة تحتاج إلى سياسات أكثر إحكاما ومهما طال الزمن فلابد من منفذ سياسى فى النهاية، وهو غير المصالحة التى تقوضت ركائزها.

إذا كان هناك حديث ممكن عن المصالحة فإنه مع المجتمع قبل الدولة.

تجربة الإخوان فى الحكم وما بعده نسفت جسورها مع مجتمعها.

تنكرت لوعودها وعدا بعد آخر وتبدى عدم أهليتها لأمانة الدولة.

انقلبت على الديمقراطية بإعلان دستورى لا مثيل لنزعته الاستبدادية.

تصورت أن بوسعها إزاحة كل شىء بالقوة من طريقها وبناء دولة جديدة وفق مشروع تمكينها.

وضعت البلد كله على حافة حرب أهلية وقد كان تدخل الجيش محتما بـ«السيسى» أو بغيره ويحسب له أنه تحمل مسئولية القرار.

راهنت أن تكسب كل شىء أو تخسر كل شىء، وقد كان.

الأخطر من ذلك كله تحالفت مع منظمات تكفيرية، أو على أقل تقدير تورطت أطراف رئيسية فيها بأعمال عنف وإرهاب، وهذه مسألة لا يملك أحد التساهل فيها أو غض الطرف عنها لكن الخلط بين من استخدم العنف ومن لم يتورط فيه يسىء إلى العدالة ويزكى روح الانتقام ويمنع المصالحات الممكنة بين أبناء وطن واحد.

أما المصالحة مع تنظيم الجماعة وعودته من جديد إلى قلب المشهد السياسى فهذه مسألة فوق طاقة الحقائق على التحمل.

التعقيدات أكبر من أن تحصى وأخطر من أن يقفز عليها بكلمات تطلق فى الهواء.

البحث عن منفذ سياسى للتيار الإسلامى كله وليس أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحدهم الخطوة الأكثر أهمية لحلحلة الاحتقانات الداخلية ومحاصرة الإرهاب.

ليس من حق أحد أن يمنع آخر من المشاركة السياسية وإبداء وجهة نظره بحرية دون خوف طالما لم يستخدم عنفا أو يحرض عليه، فهذا اعتداء على الشرعية الدستورية يفقد أية نصوص احترامها وتحريض على توسيع نطاق الإرهاب بالوقت ذاته.

كما أنه ليس من حق أحد خرق النصوص الدستورية التى تمنع الخلط بين ما هو مقدس دينى وما هو اجتهاد سياسى أو بناء الأحزاب على أسس دينية، فالمصريون أطاحوا الجماعة لهذا السبب قبل غيره.

الفارق كبير بين أن يكون الحزب دينيا أو أن تكون مرجعيته إسلامية.

ما نحتاجه أن يفتح المجال العام على التنوع السياسى فتضييقه كارثى فى الحرب مع الإرهاب.

الحكم الرشيد من مقتضيات مواجهة الإرهاب بنص بيان أصدره مؤخرا وزراء الخارجية العرب.

النص غريب على الخطاب السياسى للجامعة العربية لكنه صحيح وفى موضعه..

قبل وبعد زيارة نيويورك فإن قضيتى «الحزم مع الإرهاب» و«التسامح مع أعضاء الجماعة» يستحقان حوارا جديا هنا فى القاهرة.