البحث عن الموهبة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن الموهبة

نشر فى : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م
أومن دائما، رغم التباسات المشهد الفوضوى فى الكتابة والنشر، وسيل الإسفاف والهذر المحيط بنا من كل جانب، أن هناك مواهب حقيقية وجادة، وهناك كتّاب أدب متميزون مثل الجواهر وسط هذا الركام المزعج. صحيح أننا أصبحنا فى زمن مؤلفى النزوة والصدفة (بتعبير نجيب محفوظ)، لكن انتشار الفوضى والإهمال والاضطراب لا يعنى أبدا اليأس من وجود هذه المواهب أو الكف عن البحث عنها.. ولا تعنى محاصرتنا بالأخبار السيئة والأجواء المحبطة من كل جانب أن نضع رأسنا فى الرمل ونقول إن الحل فى التوقف عن المتابعة والامتناع عن القراء وإهمال البحث عن المواهب، مع الاعتراف بأن مشكلتنا ليست فى انعدام المواهب أو شحها فهذا غير صحيح، إنما المشكلة الكبرى فى العثور عليها أولا، والكشف عنها وإتاحة الفرصة لها ثانيا، وثالثا حسن إدارة هذه المواهب بما يسمح لها بالتألق والإبداع ودوام الإنتاج بذات المستوى (صديقى محمود عبدالشكور لا يكف عن ترداد مقولته التى صارت كالمثل من كثرة استشهاده بها «مشكلتنا ليست فى المواهب وإنما فى حسن إدارة هذه المواهب»)

لكن البحث عن الموهبة يقتضى أيضا وضع عدد من الأفكار فى الاعتبار أثناء التنقيب عنهم منها وعلى رأسها الثقافة اللازمة والاستعداد الفطرى اللذان يؤهلان صاحب الموهبة للاستمرار والإنجاز، وأنا ممن يؤمنون أنه مهما بلغ حجم هذه الموهبة ومهما كان توهجها وسطوة ظهورها فإنها بغير إدارة وحسن قيادة ودعمها بما يلزمها من خبرات وثقافة ودراسة فهى والعدم سواء!

وأذكر هنا ما كتبه نصا الأكاديمى الراحل والمتخصص فى علم نفس الإبداع د.مصرى حنورة عن نجيب محفوظ فى كتابه المهم «نجيب محفوظ وفن صناعة العبقرية»؛ كتب: «إن العبقرية عند نجيب محفوظ هى من ذلك الطراز الإنسانى الكسبى، إن جاز استخدام مصطلحات علماء الكلام فى الإسلام، فهى ليست هبة كاملة أو موهبة خالصة من أثر الاجتهاد، وهى ليست موروثة بكاملها من أسلافه، وهى ليست نتاج ظروف اجتماعية مهيئة للإبداع كما هو الحال مثلا فى تلك المجتمعات التى تهيأت فيها الأوضاع الثقافية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية لكى تترعرع فيها العبقرية ويزدهر الإبداع (كأمريكا واليابان حاليا)».

ويحلل الرجل باقتدار العوامل اللازمة التى تجعل من صاحب الموهبة ــ أى موهبة ــ فنانا جديرا بالنجاح، فلا بد لكل من استشعر لديه موهبة فطرية واستعدادا إبداعيا أن ينميها لتصبح قدرات حقيقية متفوقة؛ أن يعى الأصالة والمرونة والعقل الناقد وإعجاز الإيجاز ومواصلة الاتجاه بدأب فى الطريق الذى قرر أن يحقق فيه إنجازه.

من علامات الوعى بالموهبة واستثمارها فى الطريق الصحيح، خاصة فى مجال الكتابة الإبداعية، وصول الكاتب إلى مرحلة لا تعرف البوح المباشر الصارخ، ذات مدركة لتلك العملية المعقدة التى تجمع بين الموهبة والإبداع والصياغة والصناعة. هنا يتأكد أن هذه الموهبة تسير فى الطريق الصحيح، وأنها قادرة على تطوير موهبتها والوصول بها إلى مستويات وآفاق لا تحد.
أخيرا، فإننا لا نملك إلا أن نجدّ فى البحث عن الجميل والسعى وراء اكتشاف القيمة وانفتاح العقل والروح على كل ما هو إنسانى ومستحق للتنويه والإشادة، بل الإلحاح على هذا البحث، وعدم اليأس من العثور على ما يستحق.

كما لا بد أن نعترف بما يبدو أنه حقيقة، من يعيش حياته كأنه فى مباراة أبدية لا تنتهى، كل ما يعنيه طرح خصمه أرضا، كائن محكوم عليه بالسجن المؤبد، والحرمان من التمتع بالحياة والإحساس بالجمال. الحياة قصيرة مهما طال العمر.. فعِش حياتك باحثا عن النور والجمال والقيمة الحقيقية..

«كلمتين وبس»:

«الثقافة الأدبية وحدها لا تكفى الأديب‏،‏ فهو فى حاجة أيضا إلى الثقافة العامة‏،‏ وعليه أن يقرأ فى التاريخ وفى السياسة وفـى العلوم وفى الفلسفة وفى علم نفس‏،‏ وعليه أن يدرس الموسيقى والفن التشكيلى،‏ فالمعارف العامة هى مادة إنتاجه الأدبى، وعليه أن يكون ملما بها‏،‏ والفنون الأخرى تؤثر فى فنه بأكثر مما يتصور‏».
(نجيب محفوظ)‏