المبدعون والمزورون.. والملكية الفكرية - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المبدعون والمزورون.. والملكية الفكرية

نشر فى : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:50 م
أيهما أفضل: أن نبيع الكتاب للجمهور بصورة قانونية وبسعر التكلفة مضافا إليه هامش ربح بسيط ومعقول، أم نبيعه مزورا بصورة غير قانونية وبسعر قليل جدا؟!.

نموذج الكتاب ينطبق على أى منتج إبداعى سواء كان فيلما سينمائيا أو ألبوما غنائيا أو مسرحية سواء كانت فى صورة شريط وسى دى أو رقمية.

هذا السؤال وغيره الكثير كان مجال ورشة عمل حضرتها فى جنيف بدعوة من السفير البارز وليد عبدالناصر مدير القسم العربى فى المنظمة الدولية للملكية الفكرية فى مقرها بجنيف على مدى ثلاثة أيام وبصورة مكثفة من التاسعة والنصف صباحا وحتى الرابعة والنصف عصرا، ضمن وفد ضم ستة صحفيين من مصر ولبنان فقط.

كنت مهموما بهذا الموضوع منذ زمن طويل، وأقر أننى كنت أميل إلى حد ما لوصول المنتجات الإبداعية سواء كانت كتابا أو فيلما أو أسطوانة للجمهور بأقل تكلفة ممكنة، طالما أنها ستساعد فى نشر المعرفة، لكن النقاشات المستمرة طوال سنوات مع المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق وأهم ناشر على الاطلاق فى المنطقة العربية بأكملها، ونائب رئيس الاتحاد الدولى للناشرين لفترة طويلة، أقنعتنى أننى كنت على خطأ.

بالتجربة العلمية والمناقشات أدركت أن تزوير المنتجات الإبداعية يعنى القضاء عليها إن آجلا أو عاجلا حتى لو وصلت هذه المنتجات بأسعار أقل مؤقتا للجمهور.

النتيجة النهائية أن المزور وقلة قليلة سوف تحصل على أرباح كبيرة جدا فى حين أن دار النشر أو شركة الموسيقى أو شركة السينما الاصلية لن تجد أموالا لتدفعها للمبدعين سواء كانوا مؤلفين أو ممثلين أو مطربين. وبالتالى سوف يتوقف هذا الإنتاج الإبداعى، إن آجلا أو عاجلا.

لكن العكس صحيح تماما، كلما تمكنت السلطات المختصة من وقف التزوير والحفاظ على الملكية الفكرية، فإنها سوف تحصل على حقوقها ويمكنها أن تدفع للمؤلف والممثل والمطرب بصورة أفضل، وبالتالى يمكنه الاستمرار فى إبداعه، الامر الذى يفيد كل المجتمع ما عدا المزورين.

سيقول البعض: لكن بعض هذه الشركات أو دور النشر تحصل على أرباح هائلة من دون الاهتمام بالحالة الاقتصادية الصعبة لغالبية المواطنين؟!.

الحل لهذا الأمر يكون بالحوار والنقاش والتفاوض طبقا لواقع السوق الفعلى لتحديد هامش الربح المناسب بعد حساب التكلفة الحقيقية. وبالتالى فالحل ليس التزوير، الذى سيقود إلى تدمير كل الصناعات الإبداعية.

فى هذا الصدد يمكن تناول مثالين مهمين لتقديم صورة عملية لهذا الجدل الذى لا يتوقف فى منطقتنا العربية.

قبل سنوات وعندما انتشر مرض الأيدز وأمراض معدية أخرى خصوصا فى إفريقيا، رفضت بعض شركات الأدوية الغربية الكبرى قيام شركات هندية وإفريقية بإنتاج العقاقير التى تعالج هذه الأمراض بأسعار قليلة جدا، وأصرت على تحصيل حقوقها الكاملة، باعتبار أنها دفعت أموالا ضخمة لتطوير هذه الأدوية.

السؤال والجدال الذى لا يتوقف هو أين هى الحدود الفاصلة بين الحق التجارى والاقتصادى لهذه الشركات لكى تحصل على ما دفعته من أموال مضافا إليها هامش ربح، وبين الواجب الأخلاقى فى المحافظة على حق الحياة مواطنون فقراء فى إفريقيا وغيرها لا يملكون شيئا ليدفعوه لشركات الأدوية الاصلية فهل نترك هؤلاء يموتون؟!!.

المثال الثانى يمكن أن يقدم إجابة للمثال الأول والجدل المثار ألا وهو التفاوض.

قبل سنوات قليلة أصرت شركات أدوية عالمية على عدم تخفيض سعر عقاقير علاج فيروس سى للحكومة المصرية. بعدها مباشرة زار وزير الصحة عادل عدوى جنيف أكثر من خمس مرات برفقة خبراء ومختصين وتفاوضوا مطولا مع شركات الأدوية وأقنعوهم بأن هناك أكثر من عشرة ملايين مصرى مصابين بالمرض، وأن هناك سوقا واعدة لهذه الشركات، وفى النهاية تم التوصل إلى بيع العقار بما يساوى عشرة فى المئة فقط من سعره المطروح، لكنه حقق أرباحا للشركات لأن السوق المصرية كبيرة جدا. وبالتالى فإن الطرفين قد كسبا.. فهل يمكن تعميم هذا النموذج؟!!.

الموضوع مغرى وبه الكثير من التفاصيل الشيقة فى حالات متعددة.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي