مهارة التسقط وخيانة مبادئ الجمود - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مهارة التسقط وخيانة مبادئ الجمود

نشر فى : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:45 م

ــ ده تحول كبير قوى فى طريقة تفكيرك. فاكر المقال الساخر اللى كتبته فى مجلة الجامعة عن عائلة فنية أفرادها بيغنوا مع بعض فى الحفلات.
ــ ما تفكرنيش!! كنت محكوم وقتها بالثقافة الشعبية السائدة اللى بتعتبر من جهة إن الذكر فى الأسرة له حق التحكم فى اخواته البنات، وإن فيه شىء مشين فى إنهم يغنوا ويرقصوا فى حفلات فنية.
ــ النهاردة انت بتتكلم عن نشر ثقافة الرقص والموسيقى وعن الفرق الكبير بين سلوك الشعوب المحبة للموسيقى والرقص والغناء، اللى أهلها بيمارسوهم فى كل فرصة وأجازة وأى وقت متاح، والشعوب اللى بتعتبر الفن رذيلة والرقص ابتذال وبيوصل الحال ببعض المتدينين فيها انهم يعتبروا الاستماع «للمعازف» من علامات النفاق، ويحتفوا بمقاطع فيديو بيقوم فيها متزمتون دينيا بـ «غزوات» لتدمير آلات الموسيقى.
ــ الفرق كبير لكن بين الرأيين عمر وتجارب وحياة خارج منظومة الثقافة اللى اتولدت فيها. كلامك بيفكرنى بكم الجمود اللى كان فى ذهنى واللى كنت مصر على الاحتفاظ بيه حتى لو سافرت.
ــ مش فاهم!
ــ قبل ما اسافر كنت باعتبر منظومة الأفكار والتصورات الموجودة عندى من الثوابت والتخلى عنها خيانة. كنت لسه فى العشرينات وشايف انى لو قبلت اتغير بعد السفر هابقى «بعت مبادئى» مقابل الرخاء المرتبط بالحياة فى الغرب. فاكر ان خالى الله يرحمه كان بيحكى لى عن قريب، هاجر أمريكا واتغيرت افكاره وخفتت انتقاداته للحياة فى الغرب بعد ما استقر وأصبح له بيت وأسرة. كان رد فعلى الساخر جدا وقتها إنه «انهزم حضاريا» وباع القيم الأصيلة بتاعتنا فى مقابل بيت وسيارة وباسبور. بافتكر ده لما باقابل النموذج المقابل: الشخص الناقم على «الغرب المنحل» فى حين انه مستقر فى نفس هذا الغرب ومستمتع بحياة مريحة وآمنة وضمان اجتماعى ورعاية صحية. يتحول إلى داعية للأخلاق الحميدة والحياة الجميلة فى بلد المنشأ اللى هاجر منها ومش هيرجعلها، ويهاجم كل منتقد لها وينصحه بالبقاء فيها. لو أنا كنت سافرت وما اتغيرتش كنت أصبحت الشخص ده.
ــ معقول؟
ــ فيه حاجة شائعة جدا عندنا ممكن نسميها «مهارة التسقط».
فى بدايات تجربة السفر خارج مصر كان بيلفت نظرى جدا وجود متسول أو مشرد أو رؤية كوم قمامة. كل مشهد من دول كان بالنسبة لى تأكيد وتطمين لموقفى المتعالى حضاريا.
مفيش مدينة فاضلة أو كمال فى أى مكان أو ثقافة. لكن معظم البلاد اللى سافرت فيها عندها توجه مجتمعى عام نحو كل ما هو إنسانى وجمالى وحضارى.
فى المقابل احنا وصلنا إلى حالة من الخنوع والقبول لمظاهر انهيار المدنية فى كل نواحى الحياة. مستوى القبح والقذارة وصل فى مصر إلى درجة غير مسبوقة ومفيش تذمر عام أو اعتراض جماعى. فيه قرية خرجت عن بكرة أبيها احتجاجا على تسمية مدرسة بإسم الفنانة العظيمة فاتن حمامة. هناك مظاهرات تحرق وتقتل وتدمر بسبب إشاعة عن علاقة فتاة بشخص من دين مغاير، أو عن جماعة من الأقباط أو الشيعة يجتمعون للصلاة فى منزل. ده احتجاج مجتمعى نتيجته بتكون استجابة من المنظومة وللأسف فى الاتجاه الخطأ. نفس هذه القرية أو غيرها لا تحرك ساكنا عندما ترتفع فيها جبال القمامة وتنتشر فى شوارعها الحيوانات الميتة وتتقاعس الأجهزة المعنية عن القيام بدورها. هنا لا يوجد احتجاج ولا تذمر عام أو ضغط المنظومة. وده معناه إن فيه خلل واضح فى الأولويات عندنا كمجموع.
ــ استنى بس. انت كده بتمارس نفس «مهارة التسقط» مع مجتمعك اللى بيعانى فعلا من الفقر والفساد! بتشوف العيوب بس لكن مش مهتم تلاحظ الإيجابيات.
ــ أنا مش باتعمد اختيار نماذج شاذة. انا ارصد توجه عام يسير معاكسا لما يمكن تسميته بالترقى المدنى والإنسانى. تطور حققته البشرية وبتشوفه بشكل واضح فى شعوب كتير عندها اهتمام كبير بالنظافة والجمال والفن وكل ما يثرى الروح. لا علاقة لهذا بأى معاناة من الفقر أو انتشار الفساد. شعوب كتير تعانى من نفس المشكلات لكنها لا تزال تحب النظافة والجمال والرقص والموسيقى. اتمنى اننا نلاقى مخرج من هذه الأزمة الإنسانية والروحية ونتحرك جمعيا فى الاتجاه الأصح. سعادتى بتكون كبيرة لما الاقى مجموعات شبابية أو مؤسسات صغيرة تعمل بشكل غير تقليدى لنشر ثقافة العلم أو الفن أو الجمال فى بؤر ربما تكون صغيرة الآن لكنها أكيد ستتسع وتتلاقى مع الوقت. هذا أملى على الأقل
ــ لكن.. هو إيه اللى فتح الموضوع ده أصلا؟
ــ كنت بتسألنى ازاى باستحمل الناس اللى بتدخل تسيب تعليقات سلبية أو تتجاوز أو توجه لى اتهامات أو شتائم، وكنت باحاول اشرح لك انى كتير باتعاطف معاهم لإنى باحس انهم واقفين فى نفس المربع اللى انا كنت واقف فيه من سنين طويلة. انا كنت محظوظ احتكيت بالعالم. هم للأسف ما كانش عندهم نفس الحظ.
ــ والله انا اشكرك على صراحتك.
ــ طبيعي! الواحد لازم يكون صريح، على الأقل لما يتكلم مع نفسه؟!

التعليقات