رجل بلاد الثلج - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رجل بلاد الثلج

نشر فى : السبت 22 أكتوبر 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : السبت 22 أكتوبر 2016 - 9:35 م
ظهر محشورا فى أداء شخصية أكثر من مركبة، فليس من اليسير أبدا تجسيد دور بوتين على خشبة المسرح كما أراد الممثل والمؤلف هيج لو فورستيه، من خلال مسرحية لشخصين يعاد عرضها للمرة الثانية فى باريس حاليا، وهى بعنوان «مشروع بوتين» أو «كل ما تريد أن تعرفه عن بوتين». العمل الذى يستمر تقديمه على خشبة مسرح «لابريار» بالعاصمة الفرنسية، حتى الخامس والعشرين من شهر نوفمبر المقبل، ينتمى لنوع المسرح التسجيلى أو مسرح الواقع، الذى يعتمد على سرد وتجميع المعلومات حول شخص أو موضوع بعينه، مثلما فى التقارير الصحفية، ويترك مجالا للتفاعل مع الأحداث الجارية، بالإضافة أو الحذف، بهدف تحريك المياه الراكدة وإثارة نقاش بين المتلقين، قد يمتد إلى المجتمع بشكل أوسع. وهو بالطبع مسعى جاد وطموح، لكنه ربما لم يأتِ على مستوى تعقيد وتشابك الشخصية المركبة التى أراد سرد رحلة صعودها حتى الوصول من موظف عادى فى الاستخبارات السوفيتية إلى منصب رئيس الجمهورية الذى لا تعرف أحلامه القيود.

يذكر الكاتب كيف حدث ذلك بالفعل، داعما روايته بصور تظهر على شاشة فى خلفية المسرح تبين قمع المعارضين ومشاهد الحرب فى الشيشان والتحالف مع رجال الأوليجارشية أو المجموعة الصغيرة النافذة، التى تملك فى المال والسياسة فتصنع الحكم. ويتعرف الجمهور على تفاصيل رحلة الصعود من خلال الحوار الدائر بين بوتين وإحدى معارضاته، كما لو كنا فى مباراة للبينج بونج بين خصمين يعرفان بعضهما منذ زمن بعيد، فقد ابتدع المؤلف هذه الشخصية الوهمية، بعد أن نسج ملامحها من وحى الأحداث فى روسيا الآن، وتخيل أن ثمة علاقة عاطفية كانت تربطها فى السابق برجل الكى جى بى.

***

ذكى، بارد، مناور، يحب الغواية، يحمل رؤية خاصة قد نختلف معها أو نتفق، يريد أن يدخل التاريخ بوصفه أسطورة روسية لا يمحوها الزمن على غرار ستالين، هكذا رسم الممثل والمؤلف هيج لو فورستيه، لوحة لبوتين، بمساعدة المخرج جاك ديكومب والممثلة ناتالى مان، التى ساهمت أيضا فى الكتابة. رغبة فريق العمل فى ألا يظهر بوتين بصورة كاريكاتورية، خاصة فى توقيت لا تتفق فيه السياسات الفرنسية والروسية، كما ظهر من خلال تباين المواقف بالنسبة للشأن السورى، لم تعوض ضحالة الصورة أو الأداء الذى جاء باهتا، لكن المهم فى مثل هذا العرض هو النقاش الذى سيتبعه حول الديمقراطيات الغربية ورياء الأنظمة وما يسمى بالمجتمع الدولى وتبرير العنف، عندما يتفق مع المصلحة.

***
فى المسرحية يخاطب رجل الكرملين القوى معارضته قائلا: «أتعرفين ما هو أصل كلمة روسيا؟ هى تعنى بلد الدفة، ويجب أن يمسك شخص ما بدفة البلاد، وأن يفعل ذلك بحزم وثبات». وفى موضع آخر يقول لها أيضا: «أريد أن تكون روسيا هى محور التاريخ، هذا هو الإرث الذى سأتركه من بعدى».

يكيل المؤلف لبوتين العديد من الاتهامات، يدين الدور الذى لعبه خلال فترة رئاسة يلتسين وما قبلها وما بعدها، لكنه يدين أيضا عالم الساسة والسياسة الذى يعرف كل هذه الأمور وأكثر منها ويصمت لأنه يريد الحفاظ على روسيا قوية قادرة على الحفاظ على استقرار أوروبا، فى وقت يعج فيه جنوب المتوسط بالمشكلات: انتفاضات عربية وحروب أهلية وإرهاب وأزمة طاحنة فى اليونان وتنامى للقوميات الألبانية فى البلقان، إلى ما غير ذلك. يعرف ويصمت لأنه يريد أن يستمر إمداده بالغاز الروسى والشتاء على الأبواب. المؤلف يقول من خلال مسرح الواقع، هكذا نحن وهذا حالنا.
التعليقات