الصفقة السعودية التركية الأمريكية حول خاشقجى - علاء الحديدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصفقة السعودية التركية الأمريكية حول خاشقجى

نشر فى : الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 22 أكتوبر 2018 - 10:20 م

جاء الاعتراف السعودى بدوره فى عملية اختفاء جمال خاشقجى وتكليف لجنة وزارية بإعادة هيكلة جهاز المخابرات لديها، ليشكل المخرج من المأزق الذى وجدت المملكة نفسها فيه بعد اختفاء المعارض السعودى بعد دخوله قنصلية بلاده فى إسطنبول. فما الذى تغير؟ وما الذى حمل المملكة على تحمل مسئولية ما حدث لخاشقجى بعد أكثر من أسبوعين من النفى المتواصل لأى علم لها بما حدث له؟
بداية، يمكن القول إن تصريح ترامب بشأن «دور بعض العناصر المارقة داخل النظام السعودى» فى اختفاء خاشقجى كان بمثابة أول إقرار من الإدارة الأمريكية بدور ما للسعودية فى اختفاء الصحفى السعودى. وقد أعقب تصريح ترامب هذا، إعلان وزير الخزانة الأمريكى ستيفن مانوتشين عن عدم تلبية الدعوة السعودية للمشاركة فى مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار «دافوس الصحراء» المزمع عقده من ٢٣ إلى ٢٥ أكتوبر القادم فى الرياض، وبعد قيامه بالتشاور فى هذا الأمر مع كل من الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو العائد حيئذاك من رحلته إلى كل من الرياض وأنقرة.
الملفت للنظر هنا، هو تحول الموقف الأمريكى من الدفاع عن الرياض ودعمها لكونها شريكا إستراتيجيا كبيرا فى المواجهة مع إيران إلى تبرير هذا الموقف بأهمية العقود العسكرية وصفقات السلاح المبرمة معها، إلى المطالبة بتحقيق شفاف وتقديم بعض الأجوبة المقنعة حول العديد من الاستفسارات والشكوك التى بدأت تنتاب العديد من الجهات والمؤسسات الأمريكية حول الرواية السعودية ومدى مصداقيتها. وأخيرا، الانضمام إلى المقاطعين لمؤتمر «دافوس الصحراء»، وبما يعنيه ذلك من تزايد الاقتناع بضلوع المملكة بشكل أو آخر فى هذه القضية، والتى تحولت من قضية «اختفاء» إلى قضية «قتل وتعذيب» صحفى داخل أروقة القنصلية السعودية بإسطنبول. وهو ما وضع ترامب فى موقف لم يعد معه يستطيع تجاهل رأى وكالة الاستخبارات الأمريكية أو أصوات أكبر الداعمين له فى مجلس الشيوخ من الحزب الجمهورى مثل سيناتور ليندسى جراهام. كما جاء حديث ترامب عن حاجة بلاده للعلاقات الاقتصادية مع السعودية ممثلة فى صفقات سلاح تعدت المائة مليار دولار وبما توفره من فرص عمل للشركات الأمريكية بنتيجة عكسية، حيث إنها استفزت مشاعر العديد من أعضاء الكونجرس الذين رأوا فى تصريح ترامب هذا إهانة لأمريكا كقوة عظمى يمكن شراؤها ببضعة مليارات من الدولارات. الأمر الذى دفع ترامب إلى التراجع بعد أن رأى كيف تحول دفاعه عن السعودية إلى عبء لا يستطيع تحمل تكلفته السياسية.
هذا، وقد تزامن تطور الموقف الأمريكى مع تطور الموقف الأوروبى أيضا مع إعلان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن تعليق الزيارات السياسية للسعودية، وذلك بالتنسيق مع ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا، وأنه ينتظر تقديم المملكة «إيضاحات» حول هذا الحادث. كما أعلنت كل من كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولى ومدير البنك الدولى والكثير من الوزراء والرؤساء التنفيذيين للعديد من البنوك والشركات الدولية الذين سبق دعوتهم عن مقاطعتهم لمؤتمر «دافوس الصحراء»، فيما بات يؤشر وبشكل واضح إلى تزايد الاقتناع بتورط المملكة فى موضوع اختفاء جمال خاشقجى.
من ناحية أخرى، فقد قدمت السعودية من حيث لا تدرى خدمة كبرى لتركيا التى عادت لصدارة المشهد على الساحة الأمريكية، وأصبح على واشنطن التفاوض معها حتى لا تعمل على تقويض مكانة حليفتها السعودية فى حربها ضد إيران. وهكذا أصبحت قضية خاشقى الجسر الذى كان يحتاجه إردوغان لإعادة بناء علاقته من جديد مع واشنطن واستعادة الثقة المفقودة بينهما. كما أصبحت تركيا نتيجة هذا الاهتمام العالمى بموضوع خاشقجى محط أنظار الجميع بما تسربه من معلومات وأسلوب إدارتها للأزمة. ناهيك عما تكون قد كشفت عنه فى الغرف المغلقة سواء للمبعوث السعودى أو لوزير الخارجية الأمريكى. وأصبح كلا الطرفين، السعودى والأمريكى، على استعداد للتعاون مع تركيا لتقليل حجم الخسائر الناجمة عن ما حدث فى القنصلية.
هذا وقد أدى تغير الموقف السعودى من النفى القاطع إلى الموافقة على فتح تحقيق داخلى والتعهد بتقديم من يثبت ضلوعه فى هذه «الجريمة»، إلى تعزيز الشكوك حول دور الرياض ومثل بداية الاعتراف بوجود دور ما للسعودية. الأمر الذى بدأت معه تروج شائعات وتكهنات حول صفقة يتم الإعداد لها، وأصبح إردوغان فى موقف أقوى من السابق. هذا، ولا يتصور أن تكون مطالب إردوغان قد اقتصرت على مجرد الحصول على دعم اقتصادى أومالى، بل الأرجح أن تكون الصفقة قد شملت بعض الملفات فى المنطقة، وخاصة ما يتعلق منها بما يمس المصالح المباشرة لتركيا فى سوريا.
الشاهد هنا، أن السعودية هى الخاسر الأكبر مما حدث فى إسطنبول، وأن خسارتها لن تقتصر على مجرد فشل مؤتمر «دافوس الصحراء». كما أن تداعيات هذا الحدث لن تنتهى بما تم إبرامه من صفقة أو التوصل إليه من تفاهمات، ولكنها ستطول لتدفع المملكة فاتورة ما حدث لفترة طويلة قادمة. هذه الفاتورة الجديدة ستضاف إلى الفواتير الأخرى التى تدفعها المملكة حاليا نتيجة بعض السياسات والأخطاء التى ارتكبت فى الآونة الأخيرة. أولى هذه الفواتير، استمرار الحرب فى اليمن التى تراوحت التقديرات حول كلفتها السنوية ما بين ٦٠ و ٧٠ مليار دولار سنويا. هذا فضلا عما هو منتظر من تسليط مزيد من الأضواء على مشاهد قتل الأطفال والمدنيين جراء القصف الجوى السعودى، وبالتالى زيادة الضغوط على المملكة لوقف هذه الحرب والتوصل إلى تسوية ما. ثانى هذه الفواتير، هروب رءوس أموال سعودية للخارج جراء القبض على العديد من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين فى فندق الريتز كارلتون، والتى قدرتها مؤسسة بلومبرج الاقتصادية الدولية بنحو ٨٠ مليار دولار فى العام الماضى و ٦٥ مليار دولار متوقعة هذا العام. ثالث هذه الفواتير، ما نشرته جريدة الحياة السعودية يوم ١٤ أكتوبر من خسارة البورصة السعودية ٣٠ مليار دولار فى أسبوع واحد، والتى تأتى ضمن تبعات حادث اختفاء المعارض السعودى.
فإذا أضفنا إلى ما سبق، ما لحق بسمعة المملكة من أضرار نتيجة احتجاز رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى وعدم الإفراج عنه إلا بعد تدخل مصرى فرنسى، فإن المملكة مطالبة اليوم، وأكثر من أى وقت مضى، بإثبات جديتها ومصداقيتها فى كشف جميع جوانب قضية جمال خاشقجى، وحتى لا تضطر إلى دفع مزيد من الفواتير، وبما يؤثر على دورها ومكانتها فى المنطقة.

التعليقات