سد النهضة: سيناريوهات فض النزاع - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سد النهضة: سيناريوهات فض النزاع

نشر فى : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:35 م | آخر تحديث : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:35 م

فى ضوء تطور الأوضاع فيما يخص سد النهضة والنزاع السائد على مياه نهر النيل، استضافت الجامعة الأمريكية بالقاهرة ندوة نقاشية تحت عنوان «حوض النيل: التعاون الإقليمى وتحديات تغير المناخ وندرة المياه»، حضرها عدد من المسئولين والدبلوماسيين السابقين ومحاضرين من الثلاثة بلدان الرئيسية «مصر والسودان وإثيوبيا».

قام المتحدثون بتناول القضية من أبعاد مختلفة محاولين بذلك تقريب وجهات النظر وطرح حلول لتحقيق أكبر قدر من التعاون بين دول حوض النيل، من أجل تحقيق استفادة كاملة ومتوازنة بمياه النيل. تم تقسيم الندوة لجلستين:
البعد الجغرافى والتاريخى: «ندرة المياه والتعاون متعدد الأطراف»
تناول المتحدث الأول الأستاذ بالجامعة الأمريكية «إبراهيم النور» تأثير الاحتباس الحرارى والعوامل الأخرى التى تؤدى لندرة المياه فى نهر النيل، مشيرا إلى أن هناك عدة عوامل كالتغيرات الجغرافية والمناخية وتغير الأوضاع التاريخية والسكانية؛ كتزايد أعداد السكان فى مصر والسودان بل وزيادة نسبة التحضر التى شكلت ضغطا أكبر على استهلاك المياه، مضيفا أن الادعاء بأن سد النهضة فقط هو الخطر الأساسى على مصر والسودان خاطئ، فقد تعددت الأسباب كإزالة الغابات والتصحر والاستهلاك غير الرشيد للمياه فى دول مجرى النهر؛ كما يلعب «التوسع الزراعى ونوع المحاصيل التى يتم زراعتها ونظام الرى المتبع» دورا هاما فى ذلك. وأكد على أن التعاون الثنائى بين مصر والسودان لا يمكن أن يستمر هكذا؛ وهو ما وافقه عليه عدد من المتحدثين الآخرين كما سنرى، ولكن لابد أن يتوسع ليشمل أطراف أخرى من أجل حل النزاع على مياه نهر النيل خاصة فى ضوء تنامى خطر ندرة المياه الذى يهدد كل بلدان حوض النيل وأهمها «مصر والسودان وإثيوبيا»، وهذا التعاون يمكن أن يتوسع ليشمل عدة مجالات وليس فقط فيما يخص مياه النيل.
***
فيما أكد المتحدث الثانى وهو الأستاذ بالجامعة الأمريكية «ريتشارد توتويلر» عن «الإدارة الدولية لتحقيق منفعة عابرة للحدود». فقد أشار لمراحل إدارة مياه نهر النيل، المرحلة الأولى الخاصة بالاستعمار والتى هدفت لتحقيق أكبر عائد اقتصادى، والمرحلة الثانية مرحلة الاستقلال وبدء تنافس الدول والتى سعت فيها الدول لتنفيذ المشروعات الهيدروليكية التى خططها الخبراء والمهندسون البريطانيون ولكن لأغراض التنمية المحلية بدلا من الإدارة المتكاملة لموارد المياه فى حوض النيل. أما المرحلة الأخيرة «العقد الأخير» فقد اختلفت عن المرحلتين السابقتين حيث بدا التعاون المتكامل إجباريا، ومع تدشين مبادرة حوض النيل يبدو أن هناك قبولا وتوافقا على ضرورة وجود هذا الإطار التعاونى. فدول حوض النيل قامت كل منها بتأسيس البنية التحتية الخاصة بإدارة مياه النيل كل على حدة من أجل تحقيق مصالحها الداخلية فى حين أنها اعتمدت فى تمويل تلك المشروعات على الدعم الخارجى الذى يساعد على الاستمرار فى إطلاق مثل تلك المشروعات، بما يشكل ضغطا على دول المصب ويدفعها نحو قبول التعاون. مؤكدا أن هذا التعاون بين الدول فى إدارة مياه نهر النيل سيساعد فى ضمان استفادة متساوية لكل الدول فى استغلال المياه والأرض والموارد المناخية، فالنظر لضرورة تحقيق الاستدامة والتعاون بين تلك الدول بدلا من التركيز على المنافع الاقتصادية فقط هو ما سيحقق التعاون المستدام بين تلك الدول.
أما النقطة الثالثة فى تلك الجلسة فقد تناولها بالشرح والتحليل «إكسين وو» الأستاذ بكلية لى كوان للسياسات العامة، وانتقل من المحور الجغرافى والتاريخى الذى تناوله المتحدثان السابقان، ليتناول الوضع بأسلوب أكثر واقعية. حاول «وو» عمل نموذج لقياس مدى الاستفادة من مياه نهر النيل بعد بناء سد النهضة والذى سيصب فى صالح أثيوبيا بالأساس ولكن تلك الاستفادة وفقا لنموذج «تعظيم المنفعة» ستكون أعظم من الخسارة التى قد تلحق بنصيب مصر والسودان، على الرغم من أن سد النهضة سيعيد توزيع حصة مياه النيل بين الثلاثة دول «مصر والسودان وإثيوبيا» إلا أن الفائدة الأكبر تعود على إثيوبيا بنحو 5 أو 6 أضعاف. كما سيعيد سد النهضة تشكيل ميزان القوة بين دول حوض النيل وهو ما سيشكل من وجهة نظره تعقيدا أكبر فى المفاوضات، ولكنه مازال يرى أن مشاركة المنفعة والتساوى فى توزيعها سيحقق ناتج أفضل للدول الثلاثة.
البعد النظامى: «بناء النظام وآفاق تحول الصراع»
انتقل المتحدثون فى الجلسة الثانية لتناول الاتفاقيات التى تم عقدها فيما يخص إدارة مياه نهر النيل، فبدأ الأستاذ بالجامعة الأمريكية «شريف الموسى» بالإشارة لإعلان المبادئ الذى تم توقيعه أخيرا بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا وكيف أنه يختلف عن اتفاقية عام 1959 التى عقدت بين مصر والسودان فقط، فالتوصل إلى هذا الإعلان يشير لاقتراب مرحلة جديدة من التعاون بين الدول الثلاث بل وسيشكل نموذجا لإدارة باقى مياه حوض النيل، فإعلان المبادئ إنما يشير إلى أن الثلاثة دول اتفقوا على التعامل وفقا للقانون الدولى بل ويشجعهم الإعلان للتركيز على الاحتياجات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة مما سيسهل المساومة بينهم. ويؤكد الموسى على أن مياه نهر النيل لن تكفى لسد احتياجات الجميع ولذا على كل الحكومات أن تتشارك فى تحمل العبء والمنافع وهنا يأتى دور الحسابات السياسية. فالإعلان يأخذ الاعتبارات الجغرافية إضافة للتغيرات البيئية والمناخية فى الاعتبار، كما تأخذ عدد السكان فى كل دولة وتأثير استخدام دولة لموارد المياه على دولة أخرى.
ثم جاء «تيسفاى تيفاسى» الاستاذ بجامعة أديس أبابا، ليؤكد على ضرورة تحقيق تعاون بين دول حوض النيل حتى يتم إيجاد إطار مؤسسى وقانونى لإدارة مياه نهر النيل للتخلص من المشكلات المتصارع عليها كسرعة الترسيب والتدهور البيئى وتغير المناخ، هذا الإطار سيساعد على تحقيق أكبر منفعة من مياه نهر النيل وموارده، فالاتفاقيات التى عقدت من قبل وآخرها مبادرة حوض النيل التى أطلقتها دول المصب فشلت فى تحقيق تعاون مكثف. وأشار لاتفاقية الإطار التعاونى لدول حوض النيل والتى تهدف لتوزيع حصة المياه بين الدول بشكل متساو، ولكن مصر لم توقعها خوفا من أن تفقد حصتها المقدرة بـ 75% وفقا لاتفاقية 1959، ولكنه يرى أنه من الممكن أن يتم جذب مصر للتوقيع بضمان حصتها. وأضاف «تيفاسى» أن الأوضاع تغيرت لعدة اسباب أولها إنشاء سد النهضة، وتغير موقف دول المنبع بتوافقهم على الحق المتساوى فى مياه النيل، ورفضهم لاتفاقيات ما قبل وما بعد الاستعمار، وبدئهم مراجعة حق مصر التاريخى فى مياه النيل، وتزايد القوة السياسية والاقتصادية لدول المنبع، وأشار هنا لمقولة أحد الكتاب بأن مصر «ترى نفسها فى وضع حرج حيث إن سيادتها على مياه نهر النيل تسلب من بين يديها»، إضافة لإيجاد سبل وطرق أخرى للتمويل كالصين وتحقيق التنمية والبعد عن الأساليب التقليدية كالبنك الدولى، كما أن تغير الموقف السودانى بدعم سد النهضة يعد نكسة لمصر، وأخيرا ضياع قدرة مصر على المساومة دوليا بعد فترة مبارك. واستطرد قائلا إن تحالف السودان مع سد النهضة إنما يدحض اتفاقية 1959، حيث وجدت السودان أنها ستستفيد من الكهرباء والتعاون المستدام بل وسيقلل السد من الفيضانات. فى حين تخشى مصر من انخفاض معدل المياه عنها عبر السنوات، ولذا عارضت إنشاء السد بشدة وطلبت من حلفائها أن يعارضوه ويقفوا بجانبها كالسعودية والإمارات كما تواصلت مع الصين واليابان وإيطاليا وأمريكا وغيرها من الدول وأعلنت أن بناء السد هو انتهاك لمبدأ الضرر، وقامت بعمل دراسات لمعرفة تأثيره على الدول.
ورغم ذلك يقيم تيفاسى بدء الحديث بين الثلاث دول أخيرا وتوقيع إعلان المبادئ بأنه خطوة فى الطريق الصحيح، مختتما حديثه بأنه يمكن لمصر أن تنظر للسد على أنه فرصة للتقرب من منطقة اعتادت ان ترفضها، فعلى مصر أن تستفيق وتستوعب التغيرات المناخية والهيدرولوجية الجديدة وتعترف بحق دول المنبع فى اتفاقية الاطار التعاونى، فهذا السد هو ما سيجعل مصر تغير من موقفها الذى تمسكت به طويلا وتقتنع بضرورة الاعتماد المتبادل مع الدول جميعها.
***
وأخيرا جاء حديث «راوية توفيق» الأستاذة بجامعة القاهرة، والذى أوضحت فيه عوامل التغير الذى حدث ومنها موافقة السودان على السد وإيجاد ممولين خارجيين ودوليين كالصين وغيرها كما ذُكر من قبل، وأشارت لوجود عدد من وجهات النظر فيما يخص إعلان المبادئ الذى تم توقيعه بين الثلاث دول فى الخرطوم. ففريق رحب بالإعلان معتبرا أنه خطوة لتخفيف النزاع القائم بين الدول وفريق يعتبر أن الإعلان هو إعادة صياغة للاتفاقيات الاستعمارية وأنه اتفاق من طرف واحد فرضت فيه أثيوبيا سيادتها لإنشاء السد متجاهلة بذلك حق كلا من مصر والسودان. وفريق ثالث يرى أن هذا الاعلان قد هدد حق مصر التاريخى فى مياه النيل واعترف بالحقائق التى وضعتها أثيوبيا على الأرض. بينما ترى توفيق أن الإعلان هو انعكاس لتغيرات ميزان القوة فى شرق حوض النيل بل وأنه تأكيد على تغير مكانة تلك الدول ــخاصة مصر وأثيوبياــ فى العقد الأخير. واختتمت بأن تأثير هذا الاعلان مازال لم يتضح بعد حيث أن استخدام المياه والتكامل يتوقف على عدة عوامل منها: مدى تطلع تلك الدول لوضع أجندة تكامل بينها، وإلى أى مدى تركز تجهيزات السد وتأثيرها على المبادئ المذكورة فى مبادرة حوض النيل، وقدرة السد على حجز المياه ومدى تأثيره على حق مصر التاريخى من مياه النيل.
وبالتالى نجد أن المتحدثين من الدول الثلاثة قد اتفقوا على أن التعاون المشترك هو الحل الأمثل من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من مياه نهر النيل بدلا من استمرار النزاع دون التوصل لحلول لإدارة الأزمة التى تتفاقم بمرور الوقت بفعل العوامل المختلفة الجغرافية والبيئية والسكانية وليس فقط بفعل سد النهضة، وأكدوا جميعا على أن هذا التعاون يجب أن يفيد الدول جميعها دون أن يضر بمصلحة دولة من الدول أو يهدد أمنها القومى.

إعداد – تغريد مجدى نور

التعليقات