عن أفكار جادة أختلف معها - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن أفكار جادة أختلف معها

نشر فى : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:30 م | آخر تحديث : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:30 م

وبينما تتراكم مظالم وإخفاقات السلطوية الحاكمة فى مصر ويتصاعد عزوف الناس عن مظاهر التأييد الزائفة وعن رقص السلطوية البائس فوق جسد سياسى أميت ولن تحييه أبدا لا الاحتفاليات الانتخابية ولا سلطة تشريعية ستأتى مشوهة وفاقدة للمصداقية الأخلاقية والمجتمعية والسياسية، يستقر تدريجيا لدى بعض المنتمين للحركة الديمقراطية المصرية انطباع خاطئ مؤداه أن «الظرف الإقليمى العام» يحول دون المطالبة الفعالة بالانتصار للحقوق وللحريات وباستعادة مسار تحول ديمقراطى ويفرض «التعايش الواقعى» مع السلطوية والاقتصار على البحث عن «فرص جزئية» للحد من مظالمها وإخفاقاتها.
والظرف الإقليمى العام الذى يشار إليه هنا يرتبط بخرائط الدماء والدمار والتهجير والارتحال / اللجوء المنتشرة فى بلاد العرب، بإغراق بعض النظم الاستبدادية وبعض السلطويات الحاكمة لمجتمعاتها فى دوائر حرب وصراع وعنف لا تنتهى، بكارثة انهيار السلم الأهلى وفشل الدولة الوطنية الحاضرة فى بعض بلاد العرب، بانحصار الطلب الشعبى على الديمقراطية الذى مثل عام 2011 النقطة الأعلى على منحناه وبتجدد الاستبداد والسلطوية فى سياق ثورات مضادة مدعومة إقليميا ودوليا، بتغول الظاهرة الإرهابية وتوحش داعش وعصابات الإرهاب الأخرى والتهديدات الأمنية التى تفرضها عربيا وعالميا.
أما من أشير إليهم من منتمين إلى الحركة الديمقراطية المصرية، فهم حقوقيون ونشطاء وباحثون وكتاب يتبنون اليوم مقولة «الاستحالة الديمقراطية» ليس من مواقع الاستسلام للسلطوية الحاكمة والكف عن معارضتها، ولا من خانات الترويج لوهم انتفاء رغبة المصريات والمصريين فى حكم ديمقراطى يضمن العدل والتداول السلمى للسلطة وسيادة القانون وحقوق وحريات المواطن (وهم الاستثناء المصري). بل يفعلون ذلك استنادا إلى ما يعتبرونه مجموعة من «النتائج الواقعية» للظرف الإقليمى العام، أبرزها:
1) توافق القوى الإقليمية الرئيسية كتركيا وإيران والسعودية وإسرائيل على أولوية الاستقرار على التغيير، والأمن على الحرية، والإبقاء على نظم الاستبداد والسلطويات الحاكمة بهدف الحد من انهيارات السلم الأهلى وفشل مؤسسات الدول الوطنية وتغول الظاهرة الإرهابية.
2) بينما ترفض الحكومة الصينية بوعى التورط فى المستنقع الشرق أوسطى، تتوافق الولايات المتحدة الأمريكية والدول الفاعلة فى المنظومة الأوروبية وروسيا الاتحادية على جعل الحرب المعلنة على الإرهاب ومواجهة داعش واستعادة شىء من الأمن الإقليمى «نقاط الارتكاز» لأجندة مشتركة تجاه بلاد العرب والشرق الأوسط يستتبعها إسقاط الأمريكيين والأوروبيين لاهتمامهم الشكلى / اللفظى بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ويستتبعها أيضا تلاقى إرادات «الكبار» على حماية بقاء نظم الاستبداد والسلطويات الحاكمة واستبدال الحكومات المنهارة فى سوريا والعراق واليمن وليبيا بحكومات سلطوية جديدة.
3) حالة الإرهاق التى تعانى منها شعوب بلاد العرب والشرق الأوسط على وقع خرائط الدماء والدمار واللجوء الراهنة، وبعد إحباط لحظات الأمل فى «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» والتفاف الثورات المضادة على الطلب على الديمقراطية، ومع استمرار الكثير من صراعات منطقتنا دون حلول سلمية أو تسويات تفاوضية.
وبالنسبة لمصر، يرى المشار إليهم من حقوقيين ونشطاء وباحثين وكتاب أن «النتائج الواقعية» للظرف الإقليمى العام تعنى «استحالة التحول الديمقراطى على المدى الزمنى المنظور»، وحتمية «التعايش مع سلطوية حاكمة لا يتوقع زوالها السريع»، وضرورة «العمل البراجماتى» على احتواء بعض مظالمها وإخفاقاتها، والابتعاد عن «مطلبية التغيير» الشامل.
لا تغيب الموضوعية تماما عن تحليل المتبنين المصريين لمقولة الاستحالة الديمقراطية. غير أن عنصر الخلل الجوهرى فى تحليلهم للنتائج المترتبة على الظرف الإقليمى العام، إن بشأن مصر أو بشأن غيرها من بلدان العرب والشرق الأوسط، يتمثل فى افتراضاتهم غير الواقعية بالمرة أن نظم الاستبداد والسلطويات الحاكمة قادرة على تحقيق الاستقرار والأمن، واستعادة السلم الأهلى، وإنقاذ الدول الوطنية من الفشل، والإسهام فى مواجهة الإرهاب. فهذه النظم، بتغييبها للعدل وبمراكمتها للمظالم والانتهاكات والإخفاقات (بل وبدعمها المباشر أو غير المباشر للتطرف)، هى التى أودت بكل ذلك فى المقام الأول ودفعت بنا كشعوب إلى حافة الهاوية.
لذا، وبواقعية بالغة، لا احتواء لخرائط الدماء والدمار واللجوء الراهنة، ولا خروج من دوائر الحروب والصراعات والعنف والفشل اللعينة، إلا بتحولات ديمقراطية تدريجية تعتقنا من الاستبداد والسلطوية وتتيح أمامنا فرصا حقيقية للانتصار للعيش والحرية والكرامة الإنسانية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات