قوتنا الناعمة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قوتنا الناعمة

نشر فى : الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 8:45 ص

أمس الأول، افتتح رئيس الحكومة المسرح القومى بعد تجديده، وبعد سنوات ست من الإغلاق بسبب حريق شب به.

والحقيقة ان المسرح المصرى أصابه العطب قبل ذلك بسنوات طويلة، وباستثناء محاولات فردية تعد على اصابع اليد، ومغامرات جسورة لكتاب على شاكلة لينين الرملى وفنانين من طينة محمد صبحى، ــ لأعلنا وفاته.

فبعد سنوات اواسط الستينيات التى شهدت ذروة الابداع المسرحى، على يد نعمان عاشور والفريد فرج وميخائيل رومان وسعد الدين وهبة، شهد ابوالفنون تراجعا مريعا، وتحول إلى «منتج سياحى» يلبى حاجة السياح العرب فى الثمانينيات والتسعينيات، ثم إلى هجاء سياسى تقريرى اقرب إلى صحيفة معارضة منه إلى فن المسرح، أو كوميديا فالس وإفيهات فى السنوات التالية، دون ان ينفى ذلك وجود أعمال جيدة ومحترمة تظهر على فترات، لكنها تبقى استثناء وسط تيار عارم من التفاهة والابتذال.

هل يمكن ان يستعيد المسرح ألقه وتأثيره فى وجدان الناس؟ هل يمكن استمالة الجمهور من جديد لحضور عروض مسرحية هجرها لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بالمناخ العام وزحمة المرور وغلاء الأسعار، وبعضها يتعلق بالمنتج نفسه؟

نعم يمكن، وتجربة مركز الابداع بدار الاوبرا، وما قدمه خالد جلال وتلاميذه، ومسرح الهناجر ومبدعيه الشباب يؤكد ذلك، فمصر لا ينقصها المبدعون.

ينقصها سياق عام يشجع الابداع ويمنح الموهوبين الفرصة التى يستحقونها.

تنقصها مؤسسات تدار بعقلية احترافية لا مجال فيها للابتزاز والفساد والادعاء والفهلوة.

ينقصها ادراك حقيقى لفكرة «القوة الناعمة»، وتذكروا ان مصر لم تؤثر فى محيطها العربى والإقليمى سوى بالفكرة، الأفكار وحدها هى ما منحت مصر مكانتها، لا قوتها العسكرية ولا مواردها الطبيعية ولا معدلات نموها ووفرتها الاقتصادية.

تذكروا ان مصر دون نجيب محفوظ ويوسف ادريس وتوفيق الحكيم واحمد لطفى السيد وشوقى وحافظ وعبدالوهاب وام كلثوم وسيد درويش وفاتن حمامة ويوسف شاهين وصلاح جاهين والسنباطى وعبدالحليم وصلاح ابوسيف وطه حسين والعقاد وغيرهم، تبقى بقعة باهتة على الخريطة، كأى دولة فقيرة فى عالم ثالث بائس.

هؤلاء ومن سبقوهم ومن لحق بهم من المبدعين فى كافة المجالات، هم من صنعوا لمصر مكانتها رغم فقر مواردها وعوز اهلها، هؤلاء هم من نطلق عليهم قوة مصر الناعمة.

مصر بحاجة الآن لأن تستعيد قدرتها تلك، ان تصبح من جديد ملهمة لمحيطها، بالفكر والابداع الادبى والفنى، وهو دور الدولة اساسا، دون ان يلغى ذلك دور المؤسسات الاهلية ومبادرات الافراد.

ثمة ما يبعث على الأمل ويشى بأننا نمضى على الطريق الصحيح.

مشاهد أمس الأول وحدها تمنح هذه الدلالة، فقبل ساعات من افتتاح رئيس الحكومة للمسرح القومى بعد تجديده، كان برفقة الفنان محمد صبحى لإطلاق المبادرة الشعبية لمكافحة العشوائيات، بإقامة آلاف الوحدات السكنية على مساحة تقدر بنحو ٦٠ فدانا على طريق الإسماعيلية الصحراوى، ينقل إليها سكان ٥ مناطق عشوائية كمرحلة اولى.

وفى الصباح، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يلتقى وفدا من الأدباء والكتاب من اجيال مختلفة، وتناقش معهم حول تصوراتهم لدور الأدب والفن فى المرحلة الراهنة.

وقبلها بيومين كان الرئيس يكرم علماء مصر فى عيدهم، ويصطحب بفخر وامتنان الدكتور إبراهيم بدران إلى مكان جلوسه، وقبلها التقى فنانين وعددا من المعنيين بصناعة السينما.

النهوض بالفن والابداع لا يفيد فى استعادة مصر قوتها الناعمة بمحيطها الإقليمى فحسب، لكننا نحتاجه للارتقاء بالذوق العام، لمقاومة القبح والدناءة والغباوة، لمواجهة فساد الذمم والأخلاق وعشوائية السلوك.

وتذكروا دائما، ان شرائط عذاب القبر وهلاوس الثعبان الأقرع والسحلية المذنبة، شاعت فى الفترة ذاتها التى حاصرتنا فيها ابداعات بعرور وباتشان وسنجة والبرنس.

كلاهما وجهان للعملة ذاتها..

صيحة تحذير تصرخ فى وجوهنا : مصر ليست على ما يرام.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات