الإسلام كما أدين به
 43ــ عدالة التشريع د_ واجبات الدولة - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 43ــ عدالة التشريع د_ واجبات الدولة

نشر فى : الخميس 22 ديسمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 22 ديسمبر 2016 - 9:56 م

ــ1ــ
لأسباب شرعية وعقلية كثيرة تلتزم الأمة المسلمة بتوفير نظام قضائى يتمتع بالاستقلال عن السلطات الأخرى، كما يتمتع بالتخصص العلمى والخبرة التى تمكنه من إنجاز مهمة على الوجه المقبول. والنظام القضائى لا يستوفى شرعيته حتى يكتمل فيه: 1ــ الاختصاص المكانى المحدد لدائرة نفوذ القاضى أو المحكمة تحديدا جامعا مانعا 2ــ يشترط فى موقع المحكمة (مقر التقاضى) القرب المعقول من جميع أرجاء دائرة اختصاص المحكمة إذ لا يجب إرهاق الخصوم ولا تكبيدهم مشاق السفر لمسافات بعيدة. كما أن قرب المحكمة وتوسطها فى منطقة نفوذها يساعد القضاء وأعوانه على سرعة الانتقال –إذا لزم الأمرــ لمحل الجرائم التى تحتاج إلى مباشرة فى مكانها 3ــ كما يشترط تحديد النطاق الزمانى لولاية القاضى وهيئة المحكمة تحديدا شاملا لتاريخ بداية الولاية وتاريخ انتهائها حتى تعرض جميع النزاعات على محكمة طبيعية قريبة محددة النطاق الزمانى والمكانى، فالشريعة الإسلامية لا تعرف فكرة القضاء المفاجئ ولا القضاء الاستثنائى ولا القضاء غير المتخصص.


ــ2ــ
فإذا نظرنا إلى القانون الواجب تطبيقه فيجب أن نتذكر الفرق الواضح بين الشريعة والفقه حيث أن الشريعة هى الأصل الإلهى، أما الفقه فكله اجتهاد بشرى، فإذا كانت بعض القرون قد سكنت إلى تحمل القاضى لمهمتى التشريع والقضاء، حيث كان القاضى يتولى بنفسه استمداد التشريع من القرآن والسنة، وذلك بمعايير مدرسته أو مذهبه الفقهى. أما فى عصورنا هذه فلا يصلح ولن يصلح إلا وجود تشريع مكتوب مشروح ومفسر فقهيا ومنشور ومتداول كثقافة عامة لجميع المواطنين لأن زماننا هذا تكاثرت فيه المعاملات وتنوعت، وبالتالى كثرت النزاعات وتلونت فلابد من التشريع المكتوب المعلن على أن يصاغ ذلك التشريع بجهد المتخصصين موضوعيا مع الفقهاء ثم يتم عرضه بأناة على هيئة تشريعية تنوب عن الأمة بشرط تمتعها بثقة الأمة واحترامها... وإذا كان لنا حق الاقتراح فإن أقرب الهيئات التشريعية إلى الصواب هى الهيئة التى تتكون من مجلسين يختلف كل منها عن الآخر فى نوعية أعضائه وفى كيفية تشكيله، وإذا جعلنا «الجمعية التشريعية» اسما للمجلسين معا، فليكن أحدهما مجلس نواب ويتم تشكيله بانتخاب عام منضبط يتقدم لعضويته المواطنون من جميع الدوائر الجغرافية، أما المجلس الآخر فهو مجلس الشورى ويتم تكوينه بانتخابات خاصة من خلال النقابات والأندية الوظيفية المتخصصة على أن يصبح مندوبو كل تخصص هم أعضاء لجنة نفس التخصص فيكون الأطباء ووحدهم هم أعضاء اللجنة الطبية فى المجلس وهكذا.. إلخ.
ولا يصدر القانون دون توافق للمجلسين عليه توافقا يجعل المواطنين أكثر تقبلا له واحتراما لقواعده. أما ما تمارسه بعض البلاد من مجالس فردية ويتم تكوينها تحت ضغوط حملات إعلانية وعنف سياسى فذلك لا ينتج مجلسا تشريعيا ولا يحوذ احترام الكافة فضلا عن عجز مثل تلك المجالس عن تحقيق أمن الوطن وسلامته.


ــ3ــ
ونعود إلى «المحكمة» فنؤكد ضرورة وأهمية تمتعها بالعدد الكافى من القضاة يشكلون دوائر قضائية متعددة تتناسب مع الكثافة السكانية المقيمة داخل النطاق المكانى للمحكمة. كما أن فكرة القضاء المتخصص موضوعيا فكرة أقرب إلى تعاليم الإسلام وضوابطه، فالقاضى المتخصص موضوعيا هو «أهل الذكر» المأمون على العدالة وعلى حقوق الأطراف المتنازعين فضلا عن دوام الإعمار والسلام الاجتماعى. وإذا نظرنا فى خواتيم سورة الأنبياء وجدنا توجيه القرآن الكريم إلى جدوى تعدد مستويات المحاكم (ابتدائى/ استثنائى/ نقض) حيث بين القرآن أن قضية «الراعى والزارع» قد عرضت على نبى الله داوود فحكم فيها ثم عرضت بعد ذلك على نبى الله سليمان فأصدر فيها حكما آخر أفضل من سابقه ثم مدح القرآن فكرة تعدد القضاء كما جاءت الآيات ((وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلا آتَيْنَا حُكْما وَعِلْما..)).


ــ4ــ
لا تزال المحكمة فى فقه المسلمين بحاجة إلى ضوابط أخرى، فلابد من وجود نافذة قضائية فاعلة طوال الـ 24 ساعة (مثل المتاح من دوام النيابة العامة) إذ أن هناك من النازعات ما يتحتم سرعة النظر فيه ولا يتحمل الانتظار ليوم تال، وقد نوه القرآن على ذلك حينما قص نبأ الخصمين اللذين دخلا على نبى الله داود عليه السلام من فوق سور محكمته، وقد فعلا ذلك لأن باب المحكمة كان مغلقا لانتهاء النهار من ناحية ورغبة القاضى فى خلوة التعبد، فبعث الله هذين الملكين بهذه الطريقة تنبيها للملوك أولا وللقضاة ثانيا ثم لأصحاب أية مسئولية تنبيها مفاده: ليس لك أن ترتاح إلا أن تجعل لك نائبا فاعلا له جميع الصلاحيات. فهذه بعض ضوابط القضاء نذكرها ليتفكر فيها أهل الفكر داخل الفقه وأهل القضاء وأهل الحكم والله سبحانه وتعالى «أسرع الحاسبين».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات