شبه الدولة وعام المرأة...أن تفقد السيطرة فى قلب العاصمة - ندى نشأت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شبه الدولة وعام المرأة...أن تفقد السيطرة فى قلب العاصمة

نشر فى : الثلاثاء 23 يناير 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يناير 2018 - 9:25 م

5 سنوات قضيتها فى إحدى المناطق العشوائية حيث أعمل لم أر ضابطا أو عسكريا أو أمين شرطة حتى يتفقد أحوال الأمن والشارع، رأيت مشاجرات بأقذع أنواع السباب وبالمطاوى والزجاج المكسور والأعيرة النارية ولم أرً أى تواجد رسمى من ممثلى الدولة لفض هذا الاشتباك، رأيت فتيات ونساء يتم التحرش بهن فى الشوارع والحوارى، ورأيت ممنوعات تباع على قارعة الطريق، ورأيت صرفا صحيا غير مكتمل ورأيت أطفالا وكبارا يرتدون أسمالا بالية لا يجدون مأوى، ورأيت الأب الباكى على صغاره لعدم وجود الدواء أو لارتفاع ثمنه. 5 سنوات شهدت فيها تغييرات سياسية واجتماعية فى المنطقة وظل ثابت وحيد وهو ألا وجود للدولة على مستوى الأمن أو الخدمات.

فى بدايات عملى تخيلت أن السبب هو أن أجهزة الدولة تفضل التعامل مع المناطق الشعبية بميزان مختلف عن سائر المناطق، تخيلت أن السبب قد يكون التعامل مع كبير العائلة أو القبيلة وهو تعامل يقوم على أسس مساواة الطرفين أو علاقة مصلحة وليس علاقة سيادة أو قوة، إلا أنه بمرور الأيام تبين لى أن السبب أبسط من ذلك، فالدولة ــ رئيسا وحكومة ومجلسا للنواب ــ ببساطة لا يكترثون لساكنى تلك المناطق.

***

النساء ــ من أى طبقة كن ــ هن أيضا خارج التفكير، وبغض النظر عما سمى بعام المرأة وكل الكلام والشعارات المعسولة التى تنادى بحقوق النساء واهتمام الرئيس «بأبنائه وبناته» ــ متناسيا أن خطابه لابد وأن يوجه للمواطنين والمواطنات باعتباره موظفا فى الدولة، فالنتيجة فى الواقع هى صفر.

رأيت فتيات يعانين من العنف الأسرى، ليس تربية وخوفا عليهن، بل عنفا يرقى لمستوى التعذيب الجسدى والنفسى. رأيت فتيات تسجن فى غرفهن لشهور لمجرد الشك، يتم حلق رءوسهن وحرقهن وربطهن بالحبال وضربهن بالعصى والخراطيم لأنهن قررن شيئا ضد إرادة الأسرة كالعمل أو رفض عريس لا ترغبه. رأيت فتيات يهربن من منازلهن ويستنجدن بنا من قسوة أسرهن من حبس وضرب وتعذيب لأن الشرطة ببساطة قررت «مالناش دعوة» فهو أبوها و«يربيها». رأيت نساء مهددات بالختان فى سن الثلاثين لأن أزواجهن مسافرين خارج البلاد ويخافون من العار الذى قد يجلبنه للعائلة فقط لأنها طلبت منه العودة والعيش معها. رأيت فتيات تعرضن للاغتصاب من آبائهن ومن أعمامهن ومحارمهن ولم تجرؤ أيا منهن على تقديم بلاغ للشرطة «إزاى يا أبله أحكى اللى حصل؟» أو «محدش هيعمله حاجة» فى حين أن إحداهن حين تجرأت وأبلغت عن عمها ــ وهى قاصر ــ تم اقتيادها كالمتهمات إلى الحبس ويدها فى كلبش مع الجانى! كلهن من قلب العاصمة، فما بالك باللاتى تعشن خارجها؟

هل تعلمون أن هناك نساء وأطفالهن لا تزيد نفقتهن على 400 جنيه شهريا وأحيانا أقل؟ هل تعلمون أن هناك فتيات أجبرن على التوقف عن الدراسة للعمل أو للزواج لأن الحالة الاقتصادية للأسرة تحت الصفر؟ هل تعلمون أن هناك نساء أجبرهن أزواجهن وآباؤهن على العمل بالدعارة لتوفير الاحتياجات الأساسية لهن وللأسرة؟ إحداهن قالت بين دموعها «معقولة حد يعمل كده فى مراته»، هل تعلمون أن هناك أسرا تعيش على بواقى الطعام والخبز فقط لأن حتى «هياكل الدجاج» غلا ثمنها وارتفع؟ فما هى أنواع الحماية والرعاية التى وفرتها الدولة لهؤلاء النساء؟

***

أصدر المجلس القومى للمرأة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء ولم يتم التنفيذ حتى الآن، ووعدت الدولة بحماية النساء فى الدستور وفى الاتفاقيات الدولية كاتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، ومع ذلك لم تخط الدولة خطوة واحدة قيمة نحو إصدار قانون لمكافحة العنف ضد المرأة، أو تفعيل مكاتب مكافحة العنف فى الأقسام بشكل حقيقى. السؤال الحقيقى هنا هو ماذا فعلت الدولة لتغيير حياة النساء فى بولاق الدكرور فى عام المرأة؟

الحل ليس معقدا إلى هذه الدرجة، فهو بسيط للغاية ويتمثل فى تطبيق الدستور والقانون مجردين، دون تدخل الأهواء أو الحسابات السياسية. وعدت الدولة فى الدستور بحماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف، وبالتالى نحن فى انتظار قانون يكفل الحماية القانونية والاجتماعية للنساء والفتيات، نتوقع قانونا يسهل إجراءات الإبلاغ ويعمل على سرعة تنفيذ الحماية للفتيات المعنفات، نتوقع قانونا يضع فى أولوياته الفتيات والنساء فى المناطق الشعبية وخصوصيتهن، قانونا يحاسب الجانى والمقصر من جهات التنفيذ ويحمى حقوقهن من العنف الأسرى.

النساء المهمشة فى المناطق الشعبية والريفية لا يعنيهن الكلام المعسول والمسميات البراقة من المسئولين والسياسيين فى الخطابات والمناسبات المختلفة ولكن ما يعنيهن حقا هو وجود حقوق دستورية وقانونية مفعلة ومنفذة على أرض الواقع ترفع عنهن معاناتهن والانتهاكات المستمرة لآدميتهن، هكذا يحدث التغيير ويعايشونه على أرض الواقع بالأفعال وليس بالوعود والآمال والأقوال التى دائما لا تحقق فتصبح حياتهم فى شبه دولة.

منسقة الدفاع وكسب التأييد ــ مؤسسة قضايا المرأة المصرية

ندى نشأت منسقة الدفاع وكسب التأييد - مؤسسة قضايا المرأة المصرية
التعليقات