أمريكا محصنة ضد فاشية ترامب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا محصنة ضد فاشية ترامب

نشر فى : الخميس 23 فبراير 2017 - 10:40 م | آخر تحديث : الجمعة 24 فبراير 2017 - 3:05 م

منذ أيام قابلت أحد جيرانى ويعمل أستاذا بجامعة جورج واشنطن وتحدثنا طويلا حول الشأن السياسى الأمريكى. ومَثَّل شخصى فرصة جيدة للجار الأكاديمى كى يناقش أحد العارفين بطبيعة النظم الاستبدادية كونى مصريا. نهاية نقاشنا كشفت اختلافنا فى قراءة تبعات الوضع السياسى بعد مرور شهر على وصول دونالد ترامب لسدة الحكم، واتفقنا على الالتقاء مجددا للتحدث فى نفس الموضوعات عند مرور المائة يوم الأولى من عهد الرئيس الجديد. وخلصت مناقشتنا لقلق كبير من الجار الأكاديمى الذى يرى بلاده تتجه بلا أدنى شك نحو نظام سياسى استبدادى فاشى، فى حين رأيت أنا أن أمريكا مازالت محصنة ضد الاستبداد والفاشية لأسباب عديدة حتى لو وصل للحكم شخص يحلم بالفاشية مثل دونالد ترامب.

بعيدا عن الخلافات الأكاديمية المتعلقة بتعريف الاستبداد أو الفاشية، اتفقنا على تبسيط المفهوم واختصاره فى وجود حكومة مستبدة، وحريات سياسية قليلة، وسيطرة قوية على أجهزة التواصل والإعلام مع جماهير تثيرها النزعة القومية. ويرى الجار أن نسبة احتمال وجود نظام سياسى مستبد فى واشنطن ارتفعت من صفر% يوم 8 نوفمبر الماضى (تاريخ الانتخابات الأخيرة) إلى ربما 3% أو 4% بعد ظهور النتيجة وفوز ترامب بالبيت الأبيض والجمهوريين بمجلسى الكونجرس، وصولا إلى 7% أو 8% بعد مرور شهر على حكم ترامب. ويستشهد الجار بسلوك ترامب تجاه وسائل الإعلام، وهجومه الدائم عليهم، وبلجوئه لشغل العديد من المناصب المهمة لعسكريين بدلا من إخضاع القوات المسلحة لسيطرة المدنيين، والتشكيك فى نزاهة القضاء الأمريكى.

يعتقد الجار أن الاستقطاب السياسى بين الجمهوريين والديمقراطيين يسهل من مهمة ترامب فى التأسيس لنظام استبدادى فاشى. ويعتقد كذلك أن طبيعة الأحزاب السياسية فى أمريكا كانت تقليديا هى الضعف، إلا أن حالة الاستقطاب الحادة منحتها قوة لا تستحقها ولم يُخطط لها. وأصبح للحزب نفوذا كبيرا على نمط تصويت أعضائه فى الكونجرس الذين أصبحوا يخشون على مقاعدهم حال معارضتهم لسياسات ترامب الذى يمكنه معاقبة الأعضاء مباشرة بالتهجم عليهم وطلب على التصويت ضدهم من قاعدته الشعبية المتزايدة فى مقر دوائرهم الانتخابية الجمهورية. ويرى الجار الأكاديمى أن ترامب هو العرض الصريح لأمراض الديمقراطية الأمريكية التى لم تطور نفسها، بل تدهورت خلال نصف القرن الأخير. ويرى أنه قد آن الأوان ليصبح النقد الذاتى للديمقراطية الأمريكية ذا طبيعة عملية تسمح بخروج بديل ثالث ينافس الحزبين الرئيسيين.

•••

على الرغم من موافقتى العامة على ما ذكره الجار الأكاديمى، فإننى لا أخشى من التأسيس للاستبداد أو الفاشية داخل أمريكا. فتاريخيا ارتبط نجاح النظم الفاشية الاستبدادية بسيطرة شبه مطلقة على وسائل الإعلام حيث يتم اسكات الأصوات والآراء المعارضة، بحيث لا يصبح هناك إلا صوت واحد للحكومة فقط. وتدل خبرة الأسابيع الأخيرة على استحالة تحقيق هذه الفرضية فى الولايات المتحدة. كذلك تُصعب طبيعة النظام الفيدرالى الأمريكى من سيطرة المركز (من يسيطر على واشنطن) على بقية الأطراف، ولا يستطيع ترامب أن يطوع النخبة الثقافية والأكاديمية والفنية أو التكنولوجية، كما كان الحال فى حالات الفاشية الإيطالية او الألمانية فى ثلاثينيات القرن الماضى. من حُسن حظ أمريكا أن نخبتها التى تمثل مراكز صناعة القوة الحقيقية منتشرة بطول وعرض ولايات الاتحاد الأمريكى، وتقود هذه المراكز قافلة التقدم الأمريكى بعيدا عما يحدث فى واشنطن.
 
وعلى سبيل المثال تحتضن مدينة بوسطن فى الشمال الشرقى المركز الأهم لحركة الأكاديمية العالمية بتواجد جامعات كبرى بها أو حولها مثل هارفارد وييل وإم آى تى، وعشرات غيرهم.

وجنوبا من بوسطن تقع مدينة نيويورك، درة التاج الأمريكى بما تحتضنه من مركز التحكم المالى العالمى الأهم فى وول ستريت، ناهيك عن كونها عاصمة النشر والطباعة العالمية. وفى وسط الجنوب الأمريكى تقع مدينة أتلانتا، والتى أراها مركزا مهما للقوة الأمريكية بوجود محطة «سى إن إن» الاخبارية وشركة كوكاكولا للمشروبات الغازية بها. وبجوار شواطئ فلوريدا تقع منتجعات وملاهى ومزارات ديزنى لاند وهى التى تعد تعبيرا واضحا للقوة الناعمة الأمريكية من خلال سيطرتها على قلوب وعقول أطفال العالم. وإذا تركنا الشرق الأمريكى واتجهنا لمركز هيوستن بولاية تكساس، فسنجد عاصمة قطاع الطاقة العالمية، والمركز الأهم لوجود شركات البترول والغاز الأمريكية وغير الأمريكية. وتعد هيوستن كذلك المركز الأهم لعلاج وأبحاث أمراض السرطان.

وفى أقصى شمال الوسط يقع مركزا ديترويت، عاصمة صناعة السيارات فى العالم بتواجد شركات فورد وكرايسلر وجنرال موتورز بها، ومركز شيكاغو الذى خرجت منه إمبراطورية ماكدونالد وبوينج وغيرهما. وفى أقصى الشمال الغربى يقع مركز سياتل الذى يضم عدة إمبراطوريات تكنولوجية مثل مايكروسوفت وسيسكو سيستمز وأمازون. وفى الجنوب الغربى يقع مركز سان فرانسيسكو الذى يحتضن الشركات الكبرى التى تُخرج لنا الاختراعات الجديدة فى مجال التكنولوجيا المتطورة ومنها على سبيل المثال شركات جوجل وآبل وإنتل وياهو وفيسبوك وتويتر. وفى أقصى الجنوب الغربى تقع لوس أنجلوس، عاصمة الإبداع المرئى الأهم المتحكم فى صناعة السينما والتليفزيون حول العالم. وكل هذه المراكز عصية على ترامب وما يمثله، وتعصى طبيعتها على أى استبداد أو فاشية.

•••

عقب الحرب العالمية الثانية عرفت أمريكا لسنوات ظاهرة المكارثية، والتى انتشر معها خطاب الخوف والكراهية والشعبوية القومية. إلا أن المكارثية فشلت بسبب وجود سياسيين وصحافيين وأكاديميين وفنانين عندهم شجاعة كافية للانتقاد والمقاومة. وما تراه أمريكا اليوم أقل وطأة من خبرة المكارثية. لكن يبقى أن ترامب يمثل حالة شعبوية مختلفة فى طبيعتها ونطاقها، ورغم خطورة هذه الحركة، إلا أنها تمثل فى أحد جوانبها حركة احتجاج شرعية (بين بعض ناخبى ترامب) راغبة فى إصلاح سياسى لديمقراطية أمريكية لم تجدد نفسها ولا أفكارها خلال نصف القرن الأخير.

النخبة السياسية والمثقفون الأمريكيون أصابهم الغرور، وتواطأوا فى ظهور دونالد ترامب. ومن حُسن حظ أمريكا وجود نوع من توازن القوة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما يضع حدودا لرغبات الرئيس الاستبدادية، وإذا أضفنا السلطة الرابعة المتمثلة فى الإعلام لأدركنا صعوبة مهمة ترامب فى خلق فاشية أمريكية فى المستقبل القريب. 
 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات