لماذا نعانى «فجوة» عاطفية؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا نعانى «فجوة» عاطفية؟

نشر فى : الخميس 23 مارس 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 23 مارس 2017 - 9:35 م
نعيش فى عالم مرئى من مواقف وتجارب وأشخاص يمرون فى حياتنا، يكوّنون معنا أسرة وعائلة، أو مجموعة من الأصدقاء، أو مجموعة من الزملاء، حياة إنسانية كاملة، وندرك أيضا أن الحياة تحوى كل شيء، جمالا وقبحا، ونورا وظلاما، وفرحا وحزنا. سلسلة لا متناهية من عالم سريع الحركة والنمو والتطور المتشابه منه والنقيض عنه، لكنهم فى الأخير مكملو بعض. وهناك عالم غير مرئى، ونقصد به الشعور والعواطف المخزونة فى أنفسنا والأفكار والاعتقادات فى عقولنا جميعها تشكل «سيمفونية» عجيبة.

الحياة العصرية أهملت كثيرا الجانب العاطفى والمشاعرى وركزت على المادى، فاختل التوازن المطلوب، جميعنا يعلم أن هناك قوانين كونية تحكم هذا الكون الفسيح، ولا بد من التوازن فى كل أركانه وجوانبه وزواياه، الخلل فيه يصنع فجوة روحية ومشاعرية ومادية أيضا.

***

العلاقات الإنسانية تمر بمرحلة متوترة جدا، حال من القلق والترقب، وكثير من الغضب والانفعال من دون وعى، والسبب الحقيقى لهذا الغضب والانفعال الذى يأتى أحيانا فى غير موضعه هو جهلنا فى عدم معرفة ذواتنا من الداخل، وماذا نريد حقيقة، أو كيف نسعد أنفسنا، أو بسبب عدم التعبير عن مشاعرنا بصراحة، وللأسف بعد موجة الغضب يأتى شعور الندم والتأسف، لكن بعد فوات الأوان، إذ ينتج منه العديد من الخلافات والمشكلات التى تدوم طويلا.

هؤلاء لا يعبّرون بما تجول به أنفسهم، فيقمعون هذه المشاعر السلبية داخلهم، ما يصنع فجوة مشاعرية داخلية تبعدهم عمن حولهم بتدرج من دون أن ينتبهوا لذلك، من هنا نجد الانفصال العاطفى بين الأزواج، أو انتهاء صداقات لها عمر طويل، أو قطيعة أهل، أو عزلة اختيارية.

مشكلتنا عدم الموضوعية فى تأمل حقيقة ذواتنا من الداخل، ماذا نريد، وكيف نصنع السعادة لأنفسنا، فكم من العلاقات نشأت لهدف سامٍ وراقٍ، ولكنها لم تلبث حتى هوت وانزوت فى جانب ومسار مختلف عن هدفها الأساس.

الفرد الواعى هو الذى يدرك ماذا يريد فى هذه الحياة، وليس ما يريده الآخرون، بل من تلقاء نفسه يعرف ماذا يريد أن يحقق من السعادة أو النجاح أو راحة البال من دون الاعتماد على الشريك أو الطرف الآخر، عندما نصل إلى هذه النقطة الجوهرية العميقة جدا فى تحملنا مسئولية إسعاد أنفسنا بأنفسنا، وبناء الداخل ببناء قوى واعٍ يستطيع أن يتفرد ويعيش استقلالية كاملة معنويا ونفسيا وماديا، هنا عندما يتعرض لمواقف محبطة أو علاقات فاشلة لا يُسقط على الآخرين، بل يدرك تماما ما عليه فعله من دون إحباط أو يأس أو تذمر من الدنيا. هؤلاء الواعون يستطيعون بناء أنفسهم من جديد مهما مرّوا بظروف قاسية، لأنهم أدركوا فى حقيقتهم الداخلية أن الآخرين مكملون لهم، بينهم تكون الحياة بالمشاركة والتفاعل والتواصل، لكن ليس هم كل شيء، أى لم يكن هناك تعلق مرضى أو اتكالية عمياء.

الفرد الواعى الذى يدرك أن الحياة لا تقبل الضعيف ولا المنهزم ولا من يتخذ دور الضحية، ومن يفعل ذلك سيكون فى نية الآخرين يفعلون به ما يشاءون.

الوعى يصنع فردا ناضجا مستقلا مسئولا عن إسعاد ذاته وصنع الظروف التى تتناسب مع ما يؤمن به، ليس فقط على الصعيد المادى، بل على الصعيد العاطفى والمشاعرى فى هذا العالم غير المرئى، الذى يؤثر فى حياته بنسبة كبيرة جدا.

***

بعض العلاقات تنهار، لأنها لا تملك أساسا قويا داخلها، بناؤها ضعيف هزيل، تستمد قوتها وحياتها فقط من حياة الآخرين، وعندما لا تجد يد العون أو المساندة تنهار وتنتهى حياتها بمأساة نفسية أو عاطفية، والبعض يحاول قمع المشاعر وتجاهلها، بل يعد التعبير عن العواطف أو المشاعر للزوج أو للصديق أو للزميل أو الابن ضعفا أو شيئا غير مهم، وهذا من الأخطاء المدمرة، المفترض أن نعبّر عن عواطفنا فى كلتا الحالين، حال الفرح والحب نعبّر ونشعر الطرف الآخر، وحال الغضب نعبّر ونتحدث بصراحة، لكيلا تتراكم هذه المشاعر السلبية داخلنا، ثم فجأة يأتى يوم من دون سابق إنذار ننفجر ونثور على أتفه الأسباب.

إذا، نحتاج إلى الصراحة لمعرفة أنفسنا جيدا وماذا نريد، ونعرف كيف نبنى سعادتنا بالاعتماد على ذواتنا، وندرك أهمية الآخرين فى حياتنا كوننا شركاء وليس فقط صانعى السعادة لنا، وأن نعبّر عن مشاعرنا ولا نراكمها ونتجاهلها، وأن نتحمل مسئوليتنا كاملة ولا نسقطها على الآخرين أو الظروف، فالحياة الجميلة نحن من نصنعها.

 

التعليقات