قمة مجموعـة (الصفـــــر) G-Zero - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قمة مجموعـة (الصفـــــر) G-Zero

نشر فى : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص

أحسن معلق أمريكى كان يحلل سلوك الدول العظمى فى قمة الثمانى التى انعقدت فى كامب ديفيد نهاية الأسبوع الماضى، أحسن حين اقتبس من الشاعر وليام بايكر ييتس Yeats مقدمة قصيدة كتبها عام 1921 يصف فيها أعضاء فى اجتماع لم يثمر، قال فيها «إنه وجد أحسنهم مفتقرا إلى قناعة ومبدأ وأسوأهم مفعما بحماسة وعاطفة شديدتين».

 

 

لا أجد وصفا أفضل من هذا الوصف ينطبق على أعضاء مؤتمر قمة الدول الصناعية الكبرى فى دورته الأخيرة التى استضافها الرئيس باراك أوباما فى منتجع كامب ديفيد قبل أيام قليلة. هذه المقدمة لقصيدة الشاعر ييتس كافية فى حد ذاتها كمقدمة لتحليل اللحظة السياسية الراهنة فى عالم اليوم. وقد أضيف إليها من جانبى خلاصة تحليلى الشخصى لوقائع هذا المؤتمر ونتائجه وأصدائه، فأقول، وبقليل من المبالغة، إن هذه المجموعة أصبحت بفضل سوء أدائها المتكرر فى السنوات الأخيرة، والمستوى المتدنى بشكل لافت فى اجتماع كامب دافيد، تستحق عنوان «مجموعة الصفر (G-Zero)، بدلا من مجموعة الثمان (G-.8). أدرك أن فى هذه الخلاصة بعض القسوة، ولكنها أفضل ما استطعت التوصل إليه للتعبير عن حال المجموعة التى عرضت ثم عينت نفسها قيادة جماعية للنظام الدولى.

 

●●●

 

ملاحظتى الأخرى هى أننى أتصور أن الأمريكيين أخطأوا حين قرروا عقد قمتين فى تعاقب سريع، قمة حلف الأطلسى «الناتو» فى شيكاغو فى أعقاب قمة الثمانى فى كامب ديفيد بمرتفعات ميريلاند المتاخمة للعاصمة واشنطن. إذ إن الضعف، ولا أقول الفشل، الذى أحاط بقمة الثمانى فى كامب ديفيد انتقل بالعدوى أو التماهى إلى قمة الناتو فى شيكاغو التى انعقدت بفاصل يوم واحد عن قمة كامب ديفيد. كان فى إمكان منظمى المؤتمرين مراعاة أن البند الأصعب فى قمة الثمانى هو نفسه البند الأصعب فى قمة الناتو، ألا وهو استعداد الدول الغربية أو قدرتها على تمويل عمليات انسحاب الحلف الغربى من أفغانستان ثم تمويل عمليات الاستمرار هناك فى شكل آخر وبأعداد أخرى،. فى وقت تعلم واشنطن كما يعلم العالم بأسره أن الحلفاء الأوروبيين يعانون أزمات اقتصادية خانقة، وأنه قد يكون فى حكم المستحيل أن يوافق مجلس نواب فى أى دولة أوروبية من دول الحلف على إنفاق أموال على أفغانستان بينما شعبه محروم منها.

 

●●●

 

يقال عادة، قبل انعقاد قمة الثمانى وبعدها مباشرة، إن جدول الأعمال زاخر بالموضوعات العديدة والحيوية، ثم يتبين أن معظم بنود هذا الجدول لم تناقش وأن فقرات فى شأنها كانت قد أعدت سلفا لتصدر فى البيان النهائى. من هذه البنود التى جاءت فى جدول أعمال قمة كامب ديفيد موضوع الأمن الغذائى وتخصيص مبلغ اثنين وعشرين مليار دولار لإنعاش الزراعة فى دول أفريقيا بخاصة. وقد جاءت فى البيان النهائى الفقرة كثيرة التردد فى مؤتمرات سابقة تقول إن الأمر نوقش وإن الدول أكدت التزاماتها وتعهداتها حسب مبادرة عام 2009، وإنها جميعا مسرورة وسعيدة وترحب بالضيوف «الأفارقة» الأربعة الذين جاءوا هذه المرة من إثيوبيا وبنين وغانا وتانزانيا. وكالعادة جعلهم المنظمون يظهرون فى صورة كما فعلوا مع غيرهم من «الزعماء الأجانب» الذين يؤتى بهم فى كل عام لتزيين صورة «القيادة الدولية». وكانت بريطانيا قد اقترحت ضم دول البريكس والمكسيك إلى قائمة الضيوف.

 

●●●

 

أتفهم تركيز الكبار على قضيتين رئيسيتين هما أزمة منطقة اليورو ومستقبل اليونان من ناحية، ومن ناحية أخرى احتمالات وقوع أزمة فى الطاقة خلال الأسابيع القليلة القادمة بسبب الحصار المفروض على إيران أو لأسباب أخرى تتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية. أما فيما يتعلق بأزمة منطقة اليورو، فقد بات واضحا أن أنجيلا ميركيل تعرضت لضغط كبير من زملائها وبخاصة من باراك أوباما لتخفيف اصرارها على الاستمرار فى سياسة خفض الإنفاق فى دول منطقة اليورو، رغم ما تسببت فيه هذه السياسة من بطالة أوسع، فضلا عن أنها صارت تهدد اليونان بالإفلاس وتزيد من احتمالات سقوط ايطاليا واسبانيا بعد اليونان. لا غرابة فى أن يهتم باراك أوباما. فقد أدرك الرجل وإن متأخرا أن الأزمة فى أوروبا حدت من فرص الانتعاش الاقتصادى فى الولايات المتحدة. ولم يتبق سوى شهور قليلة على الانتخابات الرئاسية، وهى الانتخابات التى ستقرر فوز أو هزيمة أوباما لأسباب اقتصادية. يقول اقتصاديون أمريكيون إن سياسات التقشف الأوروبية أفقدت المستهلكين الثقة فى حكوماتهم وفى السياسيين عموما وضاعفت من فرص نشوب أزمة اجتماعية وسياسية كاسحة فى دول الغرب.

 

كان واضحا أيضا أن الدول الثمانى تريد أن تبقى اليونان فى منطقة اليورو، وهذا معناه أن تخفف ألمانيا من بعض شروطها ولكن معناه أيضا أن يتخذ شعب اليونان موقفا حازما ضد اليسار المتطرف فيه. يقول اللورد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا إن الناخبين اليونانيين يجب أن ينفذوا تعهداتهم كأعضاء فى منطقة اليورو. وهم أمام خيارين، إما تنفيذ الالتزامات فيستمروا أعضاء فى منطقة اليورو أو التخلى عن الالتزامات فيخرجوا من منطقة اليورو، يحدث هذا إذا انتخبوا «بعض المتطرفين المهووسين الذين سيرفضون تسديد أقساط الديون، وهنا تقع الكارثة لأن منطقة اليورو ستطالبهم بالخروج منها وبعدها يواجهون الفقر الحقيقى».

 

●●●

 

 التهديد حقيقى ويردده مسئولون آخرون فى أوربا، ليس تعاطفا مع الشعب اليونانى بقدر ما هو خوف شديد من انعكاسات طرد اليونان من منطقة اليورو على الاقتصاد العالمى وبخاصة الأوروبى والأمريكى. المشكلة الحقيقية الآن التى يتهرب من الاعتراف بوجوها معظم حكام الغرب هى المتعلقة بأزمة الرأسمالية الغربية، فبالحال المتدهور للاقتصادات الرأسمالية الكبرى فى العالم يصعب تصور أن يتحمل النظام الاقتصادى العالمى عواقب هزات جديدة، كتلك التى يمكن أن يتسبب فيها ألكسيس تسيبراس زعيم حزب سيريتسا اليسارى المتطرف، وبخاصة بعد أن وصلت شعبيته إلى ما يزيد على 25%. هذا هو الدليل الجديد على صحة ما يذهب إليه اقتصاديون كبار فى أوروبا من أن استمرار الأزمة الراهنة فى القارة سوف يؤدى إلى أن يسار ويمين أوروبا كلاهما سيزداد تطرفا. وهو أيضا الدليل الذى يؤكد ما ذهب إليه مسئول بريطانى كبير قال إن منطقة اليورو «أصبحت فى حقيقة الأمر بلا قيادة وأن حالة عدم الاستقرار السياسى فى أوروبا قد أودت بتسع حكومات فى ثلاث سنوات، وهو وضع لا يمكن أن يستمر لأنه يعنى شللا سياسيا وزيادة فى التطرف والتعصب القومى».

 

●●●

 

لم يكن غائبا عن أذهان قادة العالم الغربى أن استمرار الأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى احتمالات نقص المعروض من النفط فى الاسواق العالمية فى الشهور القادمة، سيضيف دليلا جديدا إلى قائمة مطولة من دلائل الفشل فى قيادتهم للعالم. لذلك حمل البيان الصادر من قمتهم محاولة لطمأنة الأسواق، بأن الاستعدادات جارية لدعوة وكالة الطاقة الدولية للتدخل وإعلان استعداد كافة الدول الاعضاء استخدام احتياطياتهم النفطية لمنع وقوع كارثة.

 

●●●

 

 تذكرت تصريحا كان قد أدلى به هوبر فيدرين،حين كان وزيرا للخارجية الفرنسية فى عهد جاك شيراك، دعا فيه إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب ليحل محل عالم القطب الواحد، تشترك فى قيادته الدول الكبرى وتتقاسم تكلفة إدارته.

 

تقول الصورة الفوتوغرافية التى التقطت لقادة الدول الثمانى الذين اجتمعوا فى كامب ديفيد خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضى أن شيئا قريبا مما دعا إليه فيدرين قد تحقق. لقد قامت بالفعل قيادة أقرب شبهًا بقيادة متعددة الأقطاب ولكن مفلسة ومنهكة وبحصيلة عمل ما زالت حتى الآن «محصورة فى خانة الصفر».

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي