الإنسان ذلك المعلوم 19- (وكان الإنسان قتورا) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 19- (وكان الإنسان قتورا)

نشر فى : الجمعة 23 مايو 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 مايو 2014 - 8:00 ص

(1)

هذه شهادة الله على بعض خلقه (وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورا)، و«قتور» فى لغتنا الجميلة تعنى «القتار» وهو الدخان المتصاعد من «شواء اللحم»، فانظر إلى الشواء حينما يأخذ كثيرا من النيران بينما يخرج ويعطى قليلا من الدخان الذى لا ينفع ولا يسد حاجة. فالإنسان القتور هو قليل العطاء، وعطاؤه مثل الدخان المتسرب من الشواء.

هذه الصفة الشائنة تتوافر فى بعض الناس، إذا أخذوا الكثير، وإذا أخرجوا الدخان (القتار)، وهذا الإنسان الشحيح يتناول اللحم المشوى ولا يمنح الآخرين سوى رائحة الدخان. هذا معنى القتار والقتور.

(2)

أما أن الإنسان «قتور» فتلك حقيقة فى غالبية الناس، وربما الأغلبية المتدينة !!

سبحان الله.. فهل يجتمع التدين والبخل والإمساك والإقتار ؟! أبدا لا يجتمع «إيمان كامل» مع بخل وإقتار.. هذا مستحيل.. فإن الممسك أو المقتر ضعيف الإيمان، فالمؤمن القوى الإيمان يؤمن بأن الله هو الرزاق بل خير الرازقين، ويؤمن أيضا بأن رزقه لن يصل إلى غيره حتى لو أخرجه هو بيده، كما يؤمن بأن ما قدره الله له سيكون ويحصل أراد أم لم يرد. ولذلك لا نعجب من قول رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه «نعم فالإيمان بالله خير الرازقين يطمئن الإنسان فيجتهد فى إكرام ضيفه وكذلك فى صلة رحمه، وذلك لثقة المؤمن أن رزقه لن ينقص، وإنه إن بخل فلن يحرم الضيف من رزقه. بل يحرم نفسه هو من تمام الإيمان، ومن ثواب إكرام الضيف، ومن الإحساس براحة نفسية لا توصف (..وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ..).

(3)

والإقتار –أعاذنا الله منه- درجة شنيعة من درجات البخل، إذ يتناسى المقتر ما يجب عليه من الرحمة التى رحمه الله بها فيرحم بها غيره، حتى يطمئن إلى دوام تمتعه برحمة الله له. فيخاطب المقترين (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورا ). وكما أعطاك الله ومنحك فلابد أن تعطى وتمنح. إن الإيمان بالرزاق «عقد تأمين» بين العبد وربه، فإذا أنفذت العقد ومنحت وأعطيت، فإن الله يضمن لك عشر أمثال ما أخرجت ــ كحد أدنى ــ ويضاعف الله لمن يشاء. ألم تقرأ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) و(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ )

(4)

ولشدة عداوة الشيطان للإنسان فإنه كثيرا ما يضلله بفعل بعض الطاعات فى غير مجالها فمثلا يصحبه للتطوع بالصلاة والصيام بدلا من الإنفاق من نعم الله التى عنده.

فيصحب الشيطان أهل الطاعة يحولهم إلى بخلاء ومقترين، فإذا هم يشكرون الله بالقول وليس بالفعل، وقد بين القرآن بطلان ذلك الشكر، فاقرأ معى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ ) فالله يعطيه أموالا، وهو يحمد ربه باللسان لا بالفعل، ولهذا رفض القرآن رفض ذلك الشكر المزيف فقال: (كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).

(5)

فليحذر المتدين مغالطة نفسه والهروب من ربه ويحرص دائما أن يشكر الله شكرا من جنس النعمة التى أنعم الله بها عليه، ولا يقابل العطاء الفعلى بشكر قولى، ولا يزداد فى الشعائر تعويضا عما يبخل به من النعم التى أنعم الله عليه بها عليه. هكذا جاءت خواتيم سورة الضحى توضح حقيقة الشكر (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) أى أن النعمة هى التى تتحدث، وليس اللسان. فلينقذ الإنسان نفسه من البخل والشح والإقتار.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات