حسن مصطفى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حسن مصطفى

نشر فى : السبت 23 مايو 2015 - 8:15 ص | آخر تحديث : السبت 23 مايو 2015 - 8:15 ص

دع عنك أدواره الكبيرة، الأساسية، فى عشرات الأفلام والمسلسلات وعلى خشبة المسرح، وانعش ذاكرتك بحضوره المشع بالإبداع الخاص، فى المشاهد القليلة، التى ظهر فيها، على نحو قد يبدو ثانويا إن لم يكن هامشيا، فى «البوسطجى» لحسين كمال ١٩٦٨.

الفيلم، شديد القسوة، يعتمد على قصة ليحيى حقى، هجاء واقع الصعيد الضنين، المعزول عن الحياة، المنسى، الفقير، ماديا ومعنويا، الذى يفرز نماذجا من نوع «صميدة»، الساذج مظهرا، الخبيث جوهرا، يعبر عنه، ويجسده، فناننا الملهم، صاحب البصمة المتميزة، حسن مصطفى.

«صميدة»، فراش وحارس مكتب البريد فى قرية «كوم النحل»، التى وصلها لها، أخيرا، ناظر البوسطة الجديد، عباس حسين «شكرى سرحان»، المنزعج من أطفال هائمين على وجوههم، والتراب المعلق فى الفراغ، نستمع معه عن معلومات شحيحة بشأن الفراش الحارس، المتزوج حديثا، زيجة ثانية. فى صباح اليوم التالى، يقف الناظر أمام باب المكتب المغلق، فى انتظار «صميدة»، المسئول عن العهدة: المفتاح، وحمار.

من وسط الزحام، يظهر «صميدة»، بجسده الضخم، راكبا الحمار الهزيل، يقترب من «عباس»، الأفندى، القادم من القاهرة. ينزل من الحمار، يقف أمام الناظر فيما يشبه المواجهة، تنبئ بصراع وشيك وحتمى سيندلع بينهما. تتجلى لمسات حسن مصطفى الإبداعية على عدة مستويات، أوضحها، ذلك التوافق بين ملابسه ووضعه الاجتماعى، بالطو، فوق جلباب جديد، لاسة حريرية مسدلة على صدره، حافة طاقيته تغطى ثلاثة أرباع جبهته. إنه ثرى نسبيا، وعلى قدرمن النظافة تليق بعريس.. أما عن ملامح وجهه فإها على قدر كبير من الطافة: بشرة حليقة، عينان ضيقتان، يزيدهما حسن مصطفى ضيقا حين يتنمر أو يدقق، حاجبان كثيفان، سوادهما يشى بأن الصبغة نالتهما، شارب لا يقل سوادا، تحت أنف غليظ.. فكه السفلى يبرز عن العلوى عدة سنتيمترات، يجعل الكلام يخرج من فمه مستفزا، مزعجا. يتعمد حسن مصطفى، فى لمسة مبتكرة، أن يجعل، بين الحين والحين، رأسه، مائلا نحو اليمين، موحيا بالغرور، وربما بالاعتراض، وبالتأكيد، قدرا كبيرا من البلادة.

بأسلوب حسن مصطفى تمكن أن يدرج هذا الدور فى باب كوميديا السلوك، يمارسه بلا افتعال أو مغالاة، فحين يدخل شكرى سرحان مقر البوسطة، للمرة الأولى، وخلفه الحارس، يفاجأ، أولهما، بكتاكيت وأرانب ودواجن وأقفص طماطم فارغة ومشنات بها بقايا خيار.. وعلى طريقة أبناء المدن، يصفق ناظر البريد ساخرا، متسائلاً بغيظ «مكتب ده.. ولا زريبة»، يباغتنا حسن مصطفى برد فعل قد لا يخطر على بال، تلخصه كلمة «التناحة»، مزيج مدهش من اللامبالاة، مع إدعاء عدم الفهم، بل يتابع الانفعالات الصاخبة بابتسامة منتشية، وكأنه يتابع موقفا، لا علاقة له به.. هنا، تنبع الكوميديا من المسافة الواسعة بين الغاضب وغير المكترث.

هذا المشهد الكاشف، التأسيسى، مصاغ ومنفذ بإجادة كاملة، فإلى جانب انتقاده الصارم لموظفى الحكومة، يبين مصدر ثروة «صميدة»، الذى اتخذ من مكتب البوسطة مقرا لتربية الدواجن والاتجار فى الخضار، ولا يفوت الفراش أن يشير إلى أنه قريب العمدة، الزمر الذى يزيد من غضب الناظر الذى أدرك رسالة التهديد، يواجهها بتهديد مضاد، يعلن أنه سيكتب تقريرا عن ذلك الإهمال، طالبا نقل الحارس إلى مكان آخر.. عندئذ، تتصاعد حدة التهديدات، حسن مصطفى، المتفهم لطبيعة الشخصية المخاتلة التى يؤديها، يعلن، بفخر ونشوة، أن الناظر السابق، تحول إلى التحقيق وغادر المكان، لأن «أنا اللى وزيت عليه» يقولها، وكأنه يقصد أن ذات المصير، ينتظر المدير الجديد.

فى مشاهد لاحقة، قليلة، يظهر فيها حسن مصطفى، نذير«كوم النحس» حسب تسمية البعض، متسببا فى إيذاء غريمه، مؤكدا طبيعته اللئيمة، مانحا إياها طاقة كوميدية، لا أظن أن أحدا غيره يمكنه أن يوفرها.. لعشاق الأداء التمثيلى، أتمنى مراجعة تأمل هذا الدور.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات