«الجماعة 2».. بين الدراما والتاريخ - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الجماعة 2».. بين الدراما والتاريخ

نشر فى : الجمعة 23 يونيو 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 23 يونيو 2017 - 10:05 م
مسلسل «الجماعة 2» كان واحدا من اثنين فقط تابعتهما بانتظام على مدى الشهر الكريم، بالتأكيد عمل كتبه وحيد حامد، ويقوم ببطولته هذا الحشد الكبير من الممثلين الكبار والوجوه الجديدة الصاعدة على السواء، يغرى بالمتابعة فضلا عما يمكن أن يثيره من أسئلة ومناقشات حول تاريخ تلك الفترة ووقائعها.

كان الراحل الكبير نجيب محفوظ، حينما يُسأل عن رأيه فى تحويل أعماله الروائية والقصصية إلى سيناريوهات أفلام أو مسلسلات، ومدى قبوله أو رفضه لإجراء تغييرات على نصه الأصلى، كان يجيب بوضوح وحسم بأنه مسئول فقط عن نصه المكتوب، وليس له أن يتدخل فى عمل كاتب السيناريو أو المخرج؛ معتبرا أن هذا الفيلم أو المسلسل أو أيا ما كان الوسيط الذى يستلهم عمله الروائى هو«عمل فنى» مستقل له شروطه وأدواته وهو مسئولية صانعيه بالكامل، كما كان يرى أن الرواية شىء مستقل تماما عن الفيلم والمسلسل، فهما عملان فنيان منفصلان لكل منهما رؤيته وشروطه واستقلاليته الكاملة.

فى ظنى، فإن هذا الرأى الذى سجله نجيب محفوظ، قبل نحو أربعة عقود، يصلح أيضا للإجابة عن السؤال المثار حول مدى التزام المسلسل الدرامى بِحَرفية النص التاريخى المأخوذ عنه أو بصيغة أخرى فإن كتابة وإخراج مسلسل درامى بلوازمه وتقنياته الفنية تختلف كليا وجزئيا عن كتابة التاريخ المجرد وتسجيل الحوادث.. إلخ. معظم النقاد والمتخصصين فى التاريخ والدراما على السواء يكادون يجمعون على الحرية الكاملة لصناع العمل الدرامى فى إجراء التعديلات الكاملة على الفترة التاريخية التى يشتغلون عليها والإضافة إليها وتقديم الرؤية أو المعالجة التى يريدونها؛ شريطة عدم تشويه النص الأصلى أو الابتعاد، فنيا، بمسافة كبيرة، عن روحه أو الإطار العام الذى ابتغاه مبدعه.

فى الغالب الأعم، وفى المسلسلات الدرامية المصرية المأخوذة عن شخصيات أو موضوعات تاريخية يميل صناعها إلى حد كبير إلى مطابقة أحداث المسلسل للوقائع التاريخية! على الرغم من الإمكانات الهائلة والآفاق المفتوحة لتقديم نص مرئى مواز أو قراءة تمثيلية بصرية منفتحة على تأويلات لا نهائية، وتجاوز الغاية التعليمية التثقيفية التى تتوقف عند حد الإعلام والتلقين وتوصيل المعلومة!

مسلسل «الجماعة 2» الذى كتبه وحيد حامد، وأخرجه شريف البندارى، اجتهد فى تقديم معالجة درامية لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، ومنذ الحلقات الأولى للمسلسل وهو يحظى باهتمام كبير ومتابعة كثيفة، وحينما طرح السؤال، كالعادة، حول مدى التزام كاتب السيناريو بمطابقة المتن التاريخى والوقائع والأحداث خلال تلك الفترة أو تقديم معالجة مختلفة لها، من واقع مشاهدة الحلقات، كانت مفاجأة لى بدرجة ما، أن وحيد حامد التزم المتن التاريخى المسجل عبر المصادر والكتب التى رجع إليها وأثبت أسماء عدد كبير منها فى تتر المسلسل ليقدم سردا تاريخيا مفصلا لوقائع وأحداث تلك الفترة، ويرصد قصة الصدام بين نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبين جماعة الإخوان المسلمين، وإن كان بدا أنه كان أكثر ميلا لاعتماد الرواية الإخوانية عن تاريخ تلك الفترة عن الروايات الأخرى!

يرى صديقى الناقد الكبير محمود عبدالشكور أن أسوأ قراءة لحلقات «الجماعة 2» أن يقال إنها عمل تاريخى عن الماضى بينما هى فى رأيه عن الحاضر المعاصر، فـ«كل التفاصيل تم استدعاؤها لكى يقول وحيد حامد رأيه عن الجماعة وجماعات الإسلام السياسى اليوم، ولكى يتكلم عن الأمس القريب، وليس عن الأمس البعيد»، لكن وفى الوقت نفسه رصد محمود أيضا حالة الولع أو الاستغراق فى التفاصيل المعلوماتية المكثفة والطويلة التى رأى ــ وأنا معه تماما ــ أنها خصمت من رصيد الدراما: «إننا تقريبا أمام أفكار تناطح أفكارا، مما جعل السرد شديد الجفاف، بعكس الجزء الأول الذى كانت الأفكار تتسلل فيه من خلال شخصيات حية، ومواقف إنسانية، ودراسة اجتماعية شاملة».

بعض الحلقات تكاد تكون ترجمة حرفية لما ورد سردا تاريخيا فى كتبٍ بعينها، مثلا الحلقات الأخيرة من المسلسل (من الحلقة 24) تكاد تكون ترجمة حرفية لما كتبه الفرنسى جيلز كيبل فى كتابه القديم «الفرعون والنبى ـ التطرف الدينى فى مصر»، فتقريبا اعتمد الأستاذ وحيد حامد عليه كمصدر«أساسى» فى سرد تفاصيل هذه المرحلة من تاريخ الصدام بين نظام عبدالناصر والإخوان.. اللافت أن هذا الكتاب تحديدا من أكثر المصادر الغربية تعاطفا مع الإخوان وأميل إلى تبرير أيديولوجيا العنف والتطرف المتجذرة فى الخطاب بالتركيز على خطايا النظام آنذاك قبل أى شىء آخر.

ومع ذلك، لو كان من ميزة ــ بالنسبة لى ــ فى مشاهدة حلقات «الجماعة 2» فهى إثارة الفضول بشدة لمعاودة القراءة والتنقيب فى تاريخ ومصادر هذه الفترة بشكل أكثر تفصيلا وشمولا وإحاطة من ذى قبل؛ وكذا إعادة قراءة الكتب والدراسات التى حاولت مقاربة جانب منها أو أكثر، وبخاصة سيرة وخطاب سيد قطب منظر الجماعة فى تلك الفترة وصانع أيديولوجيتها الأخطر.