ميراث يأبى الانقضاء! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ميراث يأبى الانقضاء!

نشر فى : الخميس 23 يوليه 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الخميس 23 يوليه 2015 - 8:30 ص
لست أبدا ضد التأكيد على أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن تمثل مكونا أصيلا فى منظومة الحقوق والحريات، ولست أبدا ضد التأكيد على أن للدولة ومؤسساتها وأجهزتها مسئولية أساسية فى توفير خدمات التعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية للمواطنات وللمواطنين بغض النظر عن تفاوت خلفياتهم وإمكانياتهم ودون أن تلغى اليد العامة التى تجسدها الدولة دور المبادرة الفردية والقطاع الخاص.

انتصرت جمهورية 23 يوليو 1952 فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن، غير أنها ألغت المبادرة الفردية والقطاع الخاص وصادرت الحقوق والحريات السياسية والمدنية وأسست لحكم الفرد ولنظام سلطوى تغولت مؤسساته الأمنية والتنفيذية وانهارت به المضامين والمعانى الفعلية للرقابة وللتوازن بين السلطات ولسيادة القانون.

ثم سعت جمهورية 23 يوليو 1952 منذ سبعينيات القرن العشرين إلى استعادة المبادرة الفردية والقطاع الخاص اعترافا منها بعجز الدولة وحدها عن الاضطلاع بالمهام الاقتصادية والاجتماعية وإدراكا منها لاستحالة التنمية المستدامة دون أدوار فعالة للمواطن وللسوق الحر، غير أنها أخلت بالتوازن بين آليات السوق وبين الدور التنظيمى للدولة وإجراءات الرقابة اللازمة للحيلولة دون الاحتكار والفساد والإفساد وأخفقت فى أن تحدد بصورة دقيقة مساحات الفعل الاقتصادى والاجتماعى المرتبطة بالمبادرة الفردية والقطاع الخاص والمساحات المتروكة لليد العامة والقطاع الحكومى، وواصلت طوال العقود الممتدة إلى 2011 مصادرة الحقوق والحريات السياسية والمدنية للمواطن ولم تغير جوهر حكم الفرد والنظام السلطوى وتغول المؤسسات الأمنية وغياب الرقابة والتوازن بين السلطات وإهدار سيادة القانون ــ بعيدا عن التغيرات الشكلية التى تعلقت بإدخال التعددية السياسية المقيدة وبعض العمليات الانتخابية والقليل للغاية من تجديد دماء نخبة الحكم.

ثم نجحت المؤسسات والأجهزة العسكرية والأمنية والتنفيذية المستفيدة من ميراث جمهورية 23 يوليو 1952 ومعها جماعات المصالح داخل بيروقراطية الدولة والنخب الاقتصادية والمالية المعتاشة على ثنائية الاستتباع لنظام الحكم فى مقابل الحماية والعوائد فى الإبقاء على مرتكزاته الرئيسية أو إعادة تثبيتها بعد المطلبية الديمقراطية ومحاولة التغيير باتجاه التخلص من حكم الفرد والسلطوية والطغيان الأمنى التى جاءت بها ثورة يناير 2011، بل والتفت المؤسسات والأجهزة وجماعات المصالح والنخب المعنية على القليل من التحسن الإيجابى فى مجالات حرية التعبير عن الرأى وتعددية المجال العام التى أسهمت بانتزاعها قبل 2011 وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى لتعيدنا خلال العامين الماضيين إلى مربعات الرأى الواحد والصوت الواحد والموقف الواحد ومكارثية رفض الاختلاف. وفى المقابل، لم يغب التعثر الاقتصادى والاجتماعى ولم تتراجع محدودية استراتيجيات وإجراءات التنمية المستدامة.

داخليا، لم نزل مع ميراث جمهورية 23 يوليو 1952. داخليا، لم نزل مع حكم الفرد والنظام السلطوى والطغيان الأمنى ومصادرة الحقوق والحريات السياسية والمدنية للمواطن وإهدار سيادة القانون. داخليا، لم نزل مع غياب التحديد الواضح لدور الدولة الاقتصادى والاجتماعى ولأدوار المبادرة الفردية والقطاع الخاص.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات