كراهية اليهود تتصاعد - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كراهية اليهود تتصاعد

نشر فى : السبت 23 أغسطس 2014 - 7:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 أغسطس 2014 - 12:18 م

نشرت جريدة الجارديان البريطانية مقالا لأوين جونز يتحدث فيه عن أن معاداة السامية تشكل خطرا ماثلا. استهل جونز مقاله بالإشارة إلى أن الكراهية للشعب اليهودى استمرت فى المجتمعات الأوروبية طيلة ألفى عام، ويتجلى ذلك فى التشهير والاضطهاد والطرد، والمذابح والمجازر. وفى فترات مختلفة من التاريخ كانت النخبة تقوم بالترويج لهذه الكراهية بقوة، وتتبناها قطاعات واسعة من السكان. ويعيش بيننا اليوم الناجون من المحرقة، التى تعتبر المحاولة الوحيدة لإبادة شعب بأكمله بوسائل مصطنعة منهجية.

ولا شك أن هذا العمل الوحشى الذى لا مثيل له، حشد الرأى العام ضد معاداة السامية، وقام بتجريدها من المكانة المحترمة التى ظلت تتمتع بها فترة طويلة فى العديد من البلدان الأوروبية، ولكن هذا لا يعنى أنها اختفت. لأنها تغلغلت داخل المجتمع الأوروبى لفترة طويلة، وحتى الرعب المطلق من المحرقة لم يكن ليمحوها تماما. ولكن هناك أدلة تشير إلى أن الكراهية ضد اليهود تتزايد فى الواقع مرة أخرى.

وأكد الكاتب على أنه يجب أن نأخذ معاداة السامية على محمل الجد. وأنه من الخطر محاولة التقليل من شأن ذلك، والسماح للورم بالانتشار من دون رادع. ولكن هجوم إسرائيل على غزة سلط الضوء على خطر آخر أيضا. فقد كانت تهمة معاداة السامية تعتبر كثيرا ملفقة ضد كل من يدعم العدالة الفلسطينية أو ينتقد تصرفات دولة إسرائيل. وكان الاعتراض الرئيسى أن مثل هذا الأسلوب يمثل محاولة لإسكات منتقدى الاحتلال الإسرائيلى. ومع ذلك هناك عواقب محتملة أكثر خطورة: ليس أقلها غياب معنى معاداة السامية، مما يجعل من الصعوبة بمكان تحديد الكراهية ضد الشعب اليهودى، والقضاء عليها، بينما هى فى تزايد.

•••

ويرى جونز أن الشعور بالتضامن مع شعب مظلوم يتعرض للاحتلال والحصار والهجوم العسكرى الوحشى، يعتبر الدافع وراء الغالبية العظمى من المشاعر المؤيدة للفلسطينيين. وكانت استجابة الكثير من مؤيدى الهجوم الإسرائيلى توجيهية. فهم يقولون لماذا لا تخرج مسيرات ضد القتلة الطائفيين مثل داعش أو بوكو حرام، فى عالم يوجد فيه الكثير من الظلم وسفك الدماء؟ وهذا ما يعرف باسم طريقة الــ«ماذا عن»: بمعنى محاولة تحويل الانتباه عن نوع من الظلم بالإشارة إلى معاناة الآخرين. يعتقد بعض المدافعين عن حكومات إسرائيل أن الاهتمام الخاص المفترض بالنزاع، هو فى حد ذاته دليل على معاداة السامية. لكن الفظائع الإسرائيلية جذبت الاهتمام لأن الدولة مسلحة بالكامل ومدعومة من الحكومات الغربية، مما يجعلها متواطئة مباشرة. ويضيف قائلا : من ناحية أخرى، يعارض حكامنا (بحق) داعش وبوكو حرام. وبشكل عام، تعتبر المظاهرات والاحتجاجات وسيلة للضغط على حكومات يفترض أنها قابلة للمساءلة ديمقراطيا.

وأوضح جونز أن هذا لا يعنى أن بشاعة معاداة السامية كانت غائبة فى رد الفعل العنيف ضد تصرفات إسرائيل. ففى الشهر الماضى تعرض كنيس وشركات مملوكة لليهود فى ضاحية سارسيل الباريسية للهجوم. وقد واجهت المشاعر التى تخلط بين الشعب اليهودى والحكومة الإسرائيلية - على الرغم من أن بعض عتاة الصهاينة يرددون هذا الكلام، وهو كلام ليس أقل معاداة للسامية فى مضمونه. كما وجهت التهديدات والاعتداءات إلى الشعب اليهودى فى عدة بلدان أوروبية.

وأشار الكاتب إلى أن هناك جانبا شريرا فى الادعاء المتحذلق بأن مصطلح «معاداة السامية» كاذب فى حد ذاته، لأن العرب ساميون أيضا؛ بصرف النظر عن أن معاداة السامية مصطلح مفهوم شعبيا على أنه يعنى الكراهية ضد اليهود منذ أواخر القرن التاسع عشر ونحن هنا إزاء محاولة لجعل تعريف هذه الكراهية أمرا مستحيلا من خلال التلاعب المخادع بالألفاظ.

ويضيف جونز أن هناك ردا مماثلا يتكرر كثيرا، وهو أن إسرائيل نفسها مصدر معاداة السامية؛ حيث تشجع الوحشية تجاه الشعب الفلسطينى الكراهية ضد الشعب اليهودى. وهذا هراء، مثل اعتبار التحيز المعادى للمسلمين نتيجة حتمية للإرهاب الأصولى الإسلامى. بحيث تقع المسئولية عن التحيز على عاتق المتحيز ضدهم. فلا شك أن معظمنا قادرون تماما على معارضة الوحشية من دون أن نتحول إلى المتعصبين. فمن الواجب القضاء على العنصرية وليس التماس الأعذار لها.

•••

ويرى الكاتب أنه إذا أردنا هزيمة جميع أشكال معاداة السامية - بما فيها التى تتنكر فى صورة التضامن مع الفلسطينيين المضطهدين - فنحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على التعرف عليها. وهو ما يصبح مستحيلا عند إساءة استخدام المعنى الحقيقى للكلمة وتضييعه. ويستشهد جونز بما كتبه دوجلاس موراى وهو كاتب لديه هاجس معين ضد الإسلام وصفا مستهجنا لمظاهرة التضامن مع الفلسطينيين الشهر الماضى «نجح الآلاف من المعادين للسامية فى إصابة وسط لندن اليوم بتوقف شبه تام». ويرى جونز أن هذا ليس مجرد تشهير لا يغتفر، فقط، ضد المتظاهرين دعاة السلام – ومنهم اليهود - الذين يرفضون ببساطة تورط حكومتهم فى مذبحة ضد الأطفال، ولكنه يزيد من صعوبة تحديد المعنى الحقيقى لمعاداة السامية. وينطبق الأمر نفسه على بريندان أونيل، الكاتب بصحيفة ديلى تلجراف، الذى زعم مؤخرا أن اليسار أصبح معاديا للسامية. والمفارقة أنه استدل على ذلك بموقف اليسار من النفوذ الهائل لإمبراطورية مردوخ الإعلامية: والطريف، أن روبرت مردوخ وهو غير يهودى كتب ذات مرة على تويتر عبارة مجازية كلاسيكية معادية للسامية: «لماذا تواصل الصحف المملوكة لليهود معاداة إسرائيل فى كل أزمة؟».

ويستطرد جونز قائلا إن هناك فى الحقيقة قدرا كبيرا من معاداة السامية ينبغى مواجهته. ففى اليونان، على سبيل المثال، ازدهر حزب النازيين الجدد «الفجر الذهبى» وسط الصدمة الاقتصادية. ففى مايو، اختار 16٪ من الناخبين فى أثينا مرشح الفجر عمدة للمدينة. ووفقا لما ذكرته دراسة حديثة، يتبنى 69٪ من اليونانيين وجهات نظر معادية للسامية. وفى بولندا ــ على الرغم مما عانته من أسوأ الفظائع النازية ــ بلغت النسبة 48٪، وفى إسبانيا 53٪. فى المجر فار حزب جوبيك المعادى للسامية بخمس الأصوات فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى إبريل. وعلى غرار معظم أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا، تركز الجبهة الوطنية الفرنسية هجومها ضد المسلمين، ولكن جذور الحزب عميقة فى معاداة السامية. وقبل بضعة أشهر تصدرت الانتخابات البرلمانية فى البلاد. وهكذا، يتضح أن كراهية اليهود خطر واضح وقائم.

•••

ويختتم الكاتب المقال بقوله إن الأفكار المعادية للسامية تعتبر ثابتة على نحو يدعو للكآبة: مثل اعتبار اليهود قوما غريبى الأطوار، ليس لديهم ولاء لبلدانهم، ويتصرفون كالكائنات الطفيلية، ويتمتعون بنفوذ كبير. وأحيانا تكون هذه الكراهية علانية، وأحيانا أخرى تكون أكثر دهاء وخبثا. وهى تحتاج إلى أوسع تحالف ممكن لهزيمتها. لأنها كما كان الحال فى العصر الرومانى ــ تتطلب إصرارا خاصا على مواجهتها. وبطريقة أو بأخرى ماثلة هذا لا يعنى أن معاداة السامية كامنة بيولوجيا فى العقلية الأوروبية: فالقضاء عليها ممكن، وسوف يتحقق. ولكنه يعنى الدفاع عن معناها من التشويه. ولا يتعلق الأمر بمجرد الدفاع عن أنصار القضية الفلسطينية ضد التشويه والافتراء، ولكن بمنع التقليل من خطورة معاداة السامية، مما يصعب مواجهتها كلما ظهرت فى أى مكان. وهى ليست مسألة هينة. حيث يعتمد تأمين مستقبل يهود أوروبا على ذلك.

التعليقات