قصّة عشر ثوانٍ وست كلمات مع ‫وزير التموين‬ - إسماعيل الأشول - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:48 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصّة عشر ثوانٍ وست كلمات مع ‫وزير التموين‬

نشر فى : الثلاثاء 23 أغسطس 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 أغسطس 2016 - 9:50 م

بعد ساعات قليلة من تداول "أخبارٍ منسوبة لمصادر مطلعة" تفيد بقُرب إقالة وزير التموين خالد حنفي‬ من منصبه، على خلفية أزمة إقامته بأحد الفنادق الشهيرة وكذلك أزمة توريد القمح، فوجئت صباح أمس الأول، الاثنين، بحضور الرجل اجتماع لجنة الزراعة بمجلس النواب، جالسًا على المنصّة إلى جوار رئيس اللجنة النائب هشام الشعيني؛ يتحدث بإسهاب، ويطرح أفكارًا لمشروعات مستقبليّة، ويوزّع الابتسامات دون أن يتطرق مطلقًا لآخر ما يطالعه الناس عبر مواقع الأخبار حين يضعون اسمه أو منصبه الوظيفي في خانة البحث.

المفاجأة الثانية كانت حين أحصيت ما كتبته خلف السيد الوزير بلمس شاشة جهازي المحمول طيلة مدة كلمته، إذ زاد المكتوب عن ألف كلمة، متضمنًا مقاطعات بعض النواب، أو انفعال بعضهم الآخر وهم يتحدثون عن واقع مشكلات بعض المحاصيل، لحظتها أدركت أن ما أؤديه ينطوي على بعض الأهمية لبعض الناس حتى لو كان المشهد برمته باعثًا على الضحك الذي كالبكاء.

انتهى الوزير من كلمته، وقال إنه سعيد بالمناقشات، واستعد لمغادرة مقعده عائدًا إلى مقر مجلس الوزراء، بالمبنى المقابل لمبنى مجلس النواب.

كنت في الصف قبل الأخير في وسط القاعة، وشرعت مع زملائي الأعزاء من محرري البرلمان في التحرك نحو المنصة، لسؤال الوزير عن صحة ما يثار عن إقالته.

لم أخط أكثر من خطوتين حتى بادرني رجل خمسيني أصلع، له شارب كثّ مصبوغ بعناية باللون الأسود، في بدلة داكنة وجسد نحيف، بالدعوة لانتظار الوزير حتى يخرج.

أخبرت صاحب الدعوة أنني صحفي، فارتسمت على وجهه ملامح ارتياب. أراد أن يقول إنه يعرف مهنتي، لكنه سكت، ربما لأنه أدرك أنه ليس مخولًا بإصدار التعليمات للصحفيين.

مضيت في طريقي لا يفصلني عن السيد الوزير أحد، صافحته باليد فابتسم، وسألته: ما تعليق حضرتك على ما يثار عن الإقالة أو الاستقالة؟ لم يرد، وأبقى بصره للأمام، كما لو كنت لم أسأل، بل كما لو كنت غير موجودٍ بالمرة.

واصلت الطريق محاذيًا السيد الوزير، وأعدت السؤال للمرة الثانية: ما تعليق حضرتك على ما يثار عن الإقالة أو الاستقالة؟، ولم يجب، وعند باب القاعة إلى الخارج، كررت السؤال للمرة الثالثة، وأبقى الوزير فمه مغلقًا.

سرنا بضع خطوات خارج القاعة نحو المصعد، ووجدنا مصوّر ومراسل قناة ‫‏الحياة‬ في انتظار السيد الوزير، يطلبان تصريحًا منه حول اجتماعه مع لجنة الزراعة، تحدث الرجل لبضع دقائق، وأنا إلى جواره، أتابع الجمل والألفاظ ومخارج الحروف من فمه، وملامح وجهه، ونظرته نحو عدسة الكاميرا، وأنتظر أن يتوقف لأعيد سؤالي.

توقف الوزير عن الكلام، فأعدت السؤال للمرة الرابعة: ما تعليق حضرتك على ما يثار عن الإقالة أو الاستقالة؟ مال نحوي وقال :"هذا الأمر غير مطروح على الإطلاق"، وكرر الإجابة مرتين، ثم مضى سريعًا، والتف الزملاء حولي يسألونني عن الكلمات الستة التي قالها لي السيد الوزير، وأجبتهم؛ قال عن الإقالة أو الاستقالة :"هذا الأمر غير مطروح على الإطلاق"، وأضفت سعيدًا بحمل الوزير على الإجابة: واكتبوا أنه قالها لمحرر ‫"‏الشروق"‬.

قال الوزير كلماته الستة، في حوالي عشر ثوانٍ، ومؤكد أنه سيتذكرها طويلًا، إن ظلّ في منصبه أو غادره، كما سأتذكرها أيضًا ممتلئًا بكل امتنان وفخر، لأساتذة علّموني أن حرص الصحفي على ممارسه حقه في السؤال، ليس عملًا بطوليًا، وإنما واجبه الأوليّ البسيط.

وأذكر هنا، حلقة المذيع الشهير في البي بي سي، الذي كرر سؤاله لضيفه على الشاشة لأكثر من عشر مرات، بنفس ترتيب الكلمات، باحثًا عن إجابة يقدمها للجمهور صاحب المصلحة.

لا أنسى طبعا، ولا أملّ، إعلان كل الشكر والحب، لأعضاء فريق بي بي سي الذين شرفت بالتدريب معهم قبل سنوات، وكان فيديو المذيع الذي أشرت إليه في الفقرة السابقة، من ضمن مادة التدريب.

التعليقات