«دوريان جراى».. بيننا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«دوريان جراى».. بيننا

نشر فى : الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 10:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 10:20 ص

كأن أوسكار وايلد «1854 ــ 1900» كتب روايته «صورة دوريان جراى» تعليقا على حالنا، بخصوص الدعوات المحمومة، المطالبة بتجميل صورة مجتمعنا على الشاشتين، الكبيرة والصغيرة، مع الإلحاح على تحسين صورة المرأة.. الأديب البريطانى، ابن العصر الفيكتوى، فيما يبدو، أدرك، الهوة العميقة، الواسعة، الفاصلة بين مظاهر الورع والبراءة، وحسن الخلق، التى يتحلى بها المجتمع، مظهريا، وحقيقته التى تتسم بالجشع، والفساد، وسوء الطوية، وبالتالى أبدع «صورة دوريان جراى»، التى تشير، فى بعد من أبعادها، إلى الرغبة فى تزييف الواقع، وإخفاء الدمامة، كى تبدو الأمور طيبة، لامعة، براقة.

قبل ظهور «دوريان جراى» بأربع سنوات، نشر روبرت لويس ستيفنسون عام 1882 روايته الذائعة الصيت «دكتور جيكل، مستر هايد» التى تأثر بها أوسكار وايلد، والتى تبين، بجلاء، التناقض الصارخ، داخل الفرد أو المجتمع، بين ما يتسم به، نهارا، حيث الدماثة والطيبة، وما يمسى عليه ليلا، حيث إطلاق الغرائز وممارسة الجريمة.

«صورة دوريان جراى»، تلقفتها السينما مبكرا وقدمتها فى فيلم صامت فيلبيس سمالى 1913، ثم أبيض وأسود لألبرت يوين 1945، وبعد ثمانية أفلام أخرى، ظهرت من جديد، على الشاشة الصغيرة، فى عمل مبهر، بتوقيع تونى مايلام 1983، الذى نقل أحداثها، من لندن، القرن التاسع عشر، إلى أمريكا القرن العشرين.. اختفت الشوارع المظلمة، ودخان المصانع، والقطارات التى تسير بالفحم، لتحل مكانها الكبارى العلوية، السيارات، الطرق السريعة، وعالم السينما بدلا من دنيا المسرح، وناطحات السحاب بدلا من البنايات القليلة الطوابق، وغير العنوان ليصبح «خطايا دوريان جراى».. والأهم أن الفيلم حول «دوريان» من شاب إلى شابة، بأداء الممثلة الأسترالية المولد، بليندا باور، وفضل أن تكون نجمة سينمائية، باسم «دوريان»، وحافظ على ذات الطباع: الأنانية، الغدر، الجنوح للقتل وارتكاب المعاصى، واستبدل اللوحة بمشهد لها، يبرز رقة تقاطيعها وشفافية وجهها، ومع إيغالها فى الفساد، تدب الدمامة فى صورتها على الشاشة، معبرة عن جوهرها الذى لا تطيقه.. وها هى، فى نوبة أقرب للجنون، تطعن الشاشة بخنجر، تخر صريعة وقد أصبح وجهها على قدر كبير من البشاعة.

جدير بالذكر أن الرواية، خلال القرن العشرين وما بعده، جرى تقديمها، فى مسلسلات، وأفلام كارتون، وأعمال موسيقية استعراضية، واقتبسها للمسرح العديد من الكتاب، من بينهم، الشهير جون أوزبورن، الذى حافظ على عنوانها، وأبرز مغبة عدم الاعتراف بالواقع، ورعونة استنكار الفن، إذا عبر عن الحقيقة.

«دوريان جراى»، إلى جانب كونه شخصية، هو فكرة، وموقف، أراه يعيش حولنا، ومعنا، يندفع ليصب جام غضبه على الصورة التى تكشف تشوهاته.. نظرة واحدة لصفحة الحوادث، فى أى صحيفة، ستقرأ عناوين مكررة، ذات طابع ميلودرامى، من نوع «أم تلقى بناتها الخمس بميدان الجيزة لعدم قدرتها على علاجهم من الجذام»، «سيدة تخطف ابنها وتطلب فدية من زوجها»، «هروب جماعى للمساجين»، «حبس 3 أمناء شرطة لاتهامهم بتهريب متهم».. وحول غلامين اغتصبا شابة وقتلاها تقرأ «سفاحان لايزال القانون يصفهما بالأبرياء».

حين تنعكس هذه الوقائع على مرآة الفن، من مسلسلات وأفلام، ستجد من يندفع، كما «درويان جراى»، مستنكرا الصورة، محاولا تمزيقها إربا، بينما يبقى هو، زريا، على حاله.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات