الثورة المصرية.. إلى أين ؟ - فاروق جويدة - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة المصرية.. إلى أين ؟

نشر فى : الأحد 23 أكتوبر 2011 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 23 أكتوبر 2011 - 9:05 ص

لا تستطيع الثورات أن تتخلص من كل أعداءها فى لحظة واحدة .. هناك ثورات حاربت زمنا طويلا رغم نجاحها وظلت تواجه أنواعا كثيرة من الفلول حتى سلكت مسارها وحققت أهدافها .. وهناك ثورات أخرى تعثرت ولم تتجاوز حدود الانتفاضه التى كانت تعبيرا عن حالة غضب انتهى بعدها كل شىء .. والثورات مثل الزلازل هناك زلزال يغير وجه الأرض ويخلق حقائق جديدة وواقعا مختلفا .. وهناك زلزال آخر يهدم بعض البيوت ثم تهدأ الأرض وتستكين ..

 

ولاشك أن ثورة 25 يناير مازالت حتى الآن تواجه تحديات كثيرة أمام واقع معقد تتشابك فيه أطراف كثيرة .. ولا نستطيع أن نقول أن الثورة تعثرت ولكنها حتى الآن لم تأخذ مسارها وبقيت معلقة بين الأرض والسماء وهناك أسباب كثيرة وقفت أمام طموحها وأهدافها حيث تحاصرها عوامل جذب كثيرة ..

 

مازالت فلول الماضى تسعى لإجهاض ثورة 25 يناير وللأسف الشديد أن هذه الفلول تملك الكثير من أطراف اللعبة السياسية .. هناك جزء كبير من هذا الماضى مازل حتى الآن فى مواقعة .. وهذا الماضى تحكمه أشياء كثيرة تبدأ بالولاء وتنتهى بالمصالح ولاشك أن النظام السابق استطاع أن يخلق شبكة واسعة من المصالح التى حققت لأصحابها مكاسب رهيبة.. أن ثلاثين عاما من الفساد كانت قادرة على بناء قلعة واسعة من أصحاب المصالح ..

 

هناك طبقة جديدة من الأثرياء ورجال الأعمال الذين جمعوا أرقاما خيالية من المال فى ظل النظام السابق .. وهؤلاء تصدروا الساحة وتحولوا إلى رموز ومراكز قوى وطلائع لمواكب النهب فى هذا المجتمع .. ولاشك أن رحيل النظام يمثل خسارة كبيرة لهم وهم على استعداد لأن يتحملوا أى ثمن من أجل الحفاظ على مصالحهم ..

 

وهناك أيضًا جزء كبير من النخبة الفاسدة من فلول  المثقفين وحملة المباخر الذين تصدروا الساحة الثقافية وأصبحوا رموزًا فى الفكر والإبداع فى زمن الانحطاط الفكرى والثقافى لأنهم تحولوا إلى أبواق لهذا النظام فخاضوا كل معاركه بالحق والباطل وتحولوا إلى أدوات للقمع الفكرى وقد جمع الكثيرون منهم ثروات هائلة بلا عمل أو جهد غير أنهم كانوا من المنافقين وحملة المباخر ..

 

وهناك قطيع آخر هم فلول الحياة السياسية الذين أنجبهم النظام من خلال تشكيلات عصابية حملت أسم الحزب الوطنى وهذه الفلول انتشرت فى ربوع مصر كالوباء ومارست كل ألوان التحايل والجرى وراء المال الحرام وقد حقق هؤلاء أيضًا ثروات رهيبه ولاشك أن ثورة 25 يناير قد أجهضت الكثير من أحلامهم فى مزيد من المال والسلطان ..

 

هذه الثلاثية من أصحاب رؤوس الأموال ونخبة المنافقين والتشكيلات العصابية تمثل الآن أكبر الأخطار على الثورة المصرية .. أنها تملك المال الذى تحرك به أطرافا كثيرة وتملك سلطة القرار الذى تتحايل به على إجراءات كثيرة وتملك الإعلام الذى تمارس من خلاله كل ألوان الدجل وتشويه الحقائق ..

 

أن زواج السلطة ورأس المال لم يكن فقط بين الحكومة ورجال الأعمال ولكنه تشعب على امتداد سنوات طويلة وتسلل إلى مواقع أخرى فى إدارة شئون الدولة المصرية وقد سيطر هذا الزواج على الكثير من المؤسسات الهامة ومازال هؤلاء حتى الآن فى مواقعهم .. كان هناك زواج آخر باطل بين الإعلام ورأس المال وهذه الثلاثية السلطة والمال والإعلام كانت وراء كل الجرائم التى ارتكبها النظام السابق ودفع ثمنها الشعب المصرى بكل طبقاته..

 

 أن الجزء الأكبر من مؤسسات الدولة لم يتغير فيه شىء .. فمازالت القيادات فى مواقعها ومازالت السياسيات تحكمها نفس العقول والتوجهات التى حكمت آداء النظام الراحل .. مازال البطء الشديد فى اتخاذ القرارات .. ومازالت السلبية وروح التواكل .. ومازالت أساليب التحايل وعدم الشفافية وقبل هذا كله مازالت الحقائق غائبة تماما أمام غياب المعلومات وسرية القرارات ..

 

يأتى فى هذا السياق أيضًا أخطاء وقعت فيها رموز العمل السياسى خاصة كتائب الأحزاب السياسية .. ورغم أن الكثير من رموز هذه الأحزاب سواء كانت معلنة أو سرية قد دفعوا ثمنا باهظا أمام النظام السابق إلا أنهم وقعوا فريسة صراعات ومعارك على غنائم لم تأت بعد وقد خسروا الكثير من تعاطف الشارع المصرى بعد الثورة كما أنهم دخلوا فى جدليات لن تفيد مع فلول العهد البائد أفقدتهم الكثير من الحسم والجدية فى هذا الوقت العصيب..

 

استطاعت فلول العهد الماضى أن تخلق حالة ارتباك وانفلات وفوضى فى الشارع المصرى .. أن لديها المال فاتجهت إلى معاقل الاقتصاد المصرى تهدم فيها وكانت خسائر البورصة أكبر دليل على ذلك .. واتجهت هذه الفلول إلى وقف النشاط الاقتصادى تحت دعاوى الاستقرار فقام جزء كبير منهم بتصفية أعمالهم وتجميد نشاطهم .. وهناك فصيل ثالث حرص على تشجيع الأجانب على الرحيل وكان الهدف من ذلك كله هو أرباك الاقتصاد المصرى ..

 

ومع تصفية جهاز أمن الدولة خرجت فلول كثيرة من الخدمة وتحول هؤلاء إلى معاول هدم اتخذت الفوضى الأمنية وسيلة لها .. لا أحد يعرف حتى الآن من أين جاءت فلول البلطجية ولكن الشىء المؤكد أن رؤوس النظام السابق من رجال الأعمال والنخبة والوطنى المنحل وأمن الدولة هذه الجهات تعرف من أين جاء البلطجية ..

 

لابد أن نعترف أن أعمدة النظام السابق مازالت تمارس دورًا خطيرًا فى إثارة الفوضى فى الشارع المصرى .. كيف نتجاهل أحداثا خطيرة مثل هدم وإحراق الكنائس فى سول والكشح وإمبابة وأسوان .. وكيف نتجاهل الانفلات الأمنى فى السفارة الإسرائيلية وأحداث مايسبيرو الدامية .. وأحداث العباسية ومحاولات الاعتداء على مؤسسات الدولة كيف نتجاهل انهيارات البورصة وارتفاع الأسعار وتوقف الأنشطة الاقتصادية وتوقف السياحة أمام الغياب الأمنى .. أن هذا الكم الرهيب من الجرائم يؤكد أن هناك أيادى خفية تهدد أمن واستقرار مصر.. ان الغريب فى الأمر أيضًا أن كل هذه الجرائم لم تتكشف حقيقتها أو أسبابها أو حتى المتورطين فيها .. وأمام غياب الحقيقة وعدم الشفافية تحولت هذه الجرائم إلى أسباب للإدانة وأيضًا أسباب للخلاف مع الحكومة والمجلس العسكرى بل أنها وصلت إلى درجة التشكيك فى النوايا والمواقف..

 

كيف تسمح الحكومة وأجهزة الأمن بعقد مؤاتمرات للحزب الوطنى المنحل فى نجع حمادى والشرقية وأكثر من محافظة .. هناك حكم واضح صريح من القضاء المصرى بحل الحزب الوطنى وإبعاده عن الحياة السياسية .. وهناك قرار بحل مجلسى الشعب والشورى وهناك انتخابات جديدة على الأبواب فكيف تقيم فلول الوطنى هذه المهرجانات وبأى حق تصدر البيانات وما هى الجهات التى تتحمل مسئولية ذلك ..

 

مازال الخلاف بين مؤسسات الدولة حول قضية العزل السياسى والواضح أن هناك ضغوطا يتعرض لها المجلس العسكرى والحكومة لمنع هذا القرار ولاشك أن ذلك يترك فرصا واسعة للتساؤل والتأويل أمام هذه المواقف الغامضة ..

 

أن عدم الجدية فى التعامل مع الكثير من الجرائم التى شهدها الشارع المصرى وعدم الحسم فيما يتعلق بقضية العزل السياسى والسماح لحزب منحل أن يقيم المهرجانات ويهدد الحكومة ويعلن الحرب وبعد ذلك كله تتسع دائرة الفوضى وتزداد أعداد البلطجية وتسود حالة من الخوف والذعر حياة المواطنين دون رد فعل حاسم من أجهزة الدولة كل هذه الأشياء تحتاج إلى شفافية وكشف للحقائق ..

 

ولاشك أن الاضرابات الفئوية التى جاءت جميعها فى وقت واحد تمثل لغزا فى سلوكيات الشارع المصرى خاصة أنها جمعت فصائل كثيرة من النخبة التى كان ينبغى أن تكون آخر من يبحث عن الحقوق والغنائم أمام ثورة وليدة تحاصرها المؤامرات .. وهنا يمكن أن تدور أسئلة كثيرة حول إضراب أساتذة الجامعات والمدرسين والأثريين والأطباء وحتى رجال الدين وأئمة المساجد .. كان الأولى بهذه النخبة أن تدرك صعوبة اللحظة وخطورة المواجهة بين الثورة وفلول النظام السابق وتؤجل ذلك كله حتى تهدأ الأحوال ..

 

ومع كل هذا الارتباك يأتى دور غامض للإعلام المصرى فى إشاعة الفتنة بين المسلمين والأقباط تحت دعاوى الحرية والدفاع المشبوه عن رموز العهد البائد وما يجرى أمام المحاكمات وتسريب الأخبار الكاذبة .. وتشوية صورة الثورة والثوار أمام الشارع المصرى  .. هناك سقطات رهيبة وقع فيها إعلام مصر الخاص والحكومى فى كل هذه الأحداث وكأنه قرر ان يشعل النيران فى كل  شىء .. والأغرب من ذلك كله أن تعلن الحكومة فى أكثر من مناسبة عن كشوف للتمويل الاجنبى وصلت إلى جهات عديدة فى مصر من جمعيات أهلية ونشطاء سياسيين وجهات إعلاميه وبعد ذلك صمت كل شىء..

 

أن هذا الأداء الكسول البطىء المتراخى قد وصل بنا وبالثورة إلى ما نحن فيه الآن فقد غاب الحسم  فى جميع القضايا واختفت الحقائق أمام الشفافية المفقودة .. ومازالت فلول النظام السابق وقواعده وأركان الفساد فيه تتحكم فى مواقع كثيرة .. ومازالت حقائق الأشياء مجهولة ابتداء بموقعة الجمل وحتى جرائم إحراق الكنائس وإشعال الفتنة الطائفية .. أن كل هذه المواقف تؤكد أن هناك من يحاول إجهاض ثورة هذا الشعب والدليل أن السفينة لم تتحرك حتى الآن وكل ما نراه حولها عواصف عاتيه وبحر هائج وركاب يصرخون ..

فاروق جويدة شاعر وصحفي مصري
التعليقات