الهجرة
 2 - الهجرة إلى الله - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجرة
 2 - الهجرة إلى الله

نشر فى : الجمعة 23 أكتوبر 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 أكتوبر 2015 - 10:10 ص

ــ1ــ

الكون كله مكانا وزمانا ملك لله الواحد الأحد، والإنسان أينما وجد هو ساكن فى «ملك الله»، فكيف يهاجر إلى الله؟ وليس هناك مكان ولا زمان إلا وهو مملوك لله!!! فالهجرة إلى الله فى أصلها ليست تغيير زمان ولا تغيير مكان، إنما هو تغيير إرادة وتغيير نية واتجاه إلى «تغيير السلوك» بما يحقق صلاحية المكان وملاءمة الزمان لممارسة طاعة الله فى التزكية والعمران ثم التوحيد.

فالهجرة إلى الله إقلاع عن التفكير المعوج الذى ثبت عدم جدواه، والبحث عن أساليب جديدة للتفكير وطرق جديدة للسعى، ووسائل يسيرة للوعى، إذ ليس من الإيمان التمسك برؤية بشرية مهما عظم صاحبها، ولا بمذهب مهما كثر أتباعه، بل الإيمان أن يبقى الإنسان دائما يراجع نفسه وخطته ووسائله قبل أن يراجع غيره، فلعله إن فعل ذلك فكك أسباب الصراع، وحول العقبات والموانع إلى مقويات ودوافع. فكيف تناسينا قوله تعالى: ((إِنَ اللَهَ لا يُغَيِرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَى يُغَيِرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))؟! بهذا الوضوح: نغير ما بأنفسنا قبل الإصرار على تغيير ما بأنفس الناس. ألست معى أيها المسلم أن البدء بتغيير النفس وتفكيك أسباب الصراع أولى من الصدام أو الانسحاب؟! وليس فى مواصلة البحث - إلى يوم القيامة - أى غضاضة، وليس فى الشورى والتعلم من الآخرين ما يشين. ألم يكن «الغراب» هو المعلم الأول لبنى آدم؟! فلنتعلم كيف تعيش الأمم الأخرى وليتعلم المسلم الفرد ما فعلته المانيا الغربية حين أسقطت سور برلين رغم أن إزالة ذلك السور كلفتها مليارات دفعتها لروسيا حتى لا توقف المشروع، ثم تضاعفت النفقات ليرفعوا المانيا الشرقية إلى مستوى الغربية فى سنوات قلائل، وقد فعلوا ونجحوا وأصبح الإنسان بينهم أكرم وأصلح وأنفع من جميع المتقوقعين فى تجارب أئمتهم ومذاهبهم، وهيهات.

ــ2ــ

هل بدأت هجرة الرسول برفع راية؟ أو باتخاذ لافتة؟ أو بإنشاء جبهة وحزب وكتيبة لا تتم الهجرة إلا من خلالها؟ أبدا، كما يقر التاريخ ويفهم من عقل، فكانت الهجرة فردية يتحمل كل فرد نصيبه فى أعبائها، دون معاندة للمتربصين، ودون طمع فى المستقبلين، وما هى إلا رغبة فى إبراز ما لدينا وتقديمه للآخرين دون تسلط.

ــ3ــ

وحين استفذت الشياطين بعض المتوترين من شباب الصحابة فتنادى فريق الأنصار: «يا أهل يثرب»، وتبعهم المهاجرون: «هلموا يا أهل مكة» وتأزم الموقف لولا حكمة الحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى خطأهم وذكرهم أن التعصب يهدم الإيمان ويهدم الإنسان ويهدم الأوطان فتراجعوا.. فمتى نتعلم الفرق بين تنافس مباريات الرياضة والترفيه وبين التكامل والتقارب اللازم بين أبناء الوطن الواحد.

ــ4ــ

إن أمريكا تضم تحت رايتها أكثر من 50 ولاية، والمانيا كذلك، بل إن الاتحاد الأوروبى يضم 25 بلدا يتعاملون بعملة واحدة، ويلتقون على أهداف حضارية وإنسانية نحن أولى بها.. فإذا فعلنا فقد عرفنا الطريق إلى الله.. وعرفنا كيف نتجاوز محنتنا، وكيف نسعى حول الموقع الذى رشحنا الله له وهو موقع ((..خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَاسِ..)).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات