سيدة الفول.. والانتخابات - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيدة الفول.. والانتخابات

نشر فى : الإثنين 23 نوفمبر 2015 - 11:20 م | آخر تحديث : الإثنين 23 نوفمبر 2015 - 11:20 م
السيدة بنت صاحب أحد محلات الفول والطعمية قرب ميدان السيدة زينب، كانت سعيدة مبتسمة وهى ترينى اصبعها المغموس فى حبر الانتخابات الفوسفورى الوردى. سألتنى: لماذا لم تذهب إلى الانتخابات حتى الآن، وهل صحيح أنك مثل الإخوان لن تشارك؟!. ضحكت مبتسما، وأخبرتها أننى سأشارك قبل نهاية اليوم.

الحديث مع هذه الشابة كان بمحض الصدفة، ولم يستغرق أكثر من دقيقتين، حتى انتهى عمى رمضان من إعداد طلباتى.

هى ليست مهمومة بالصراعات السياسية، لكنها مارست حقها الطبيعى، وهو الإدلاء بصوتها، لكن هى وأمثالها الكثيرون غير مدرجين على جدول اهتمامات ونقاشات الأحزاب والنخب السياسية.

هى نموذج للمواطن العادى، أراها منذ سنوات تجلس على «الكاشير» من الصباح الباكر، وحتى منتصف اليوم ثم تعود لمنزلها لتمارس عملها كأم وربة بيت مكافحة مثل ملايين السيدات المصريات الصابرات. ما يشغلها من السياسة بمعناها العام ان تجد مدرسة جيدة تقدم تعليما حقيقيا لأولادها من دون الدروس الخصوصية، ومستشفى آدمى لعلاجهم إذا مرضوا لا قدر الله، وان تجد تعاملا جيدا من أجهزة الحكومة إذا ساقها حظها لإنهاء إجراءات روتينية.

هى لم تتجاوز الثلاثين، والمؤكد أنها لم تسمع شيئا كثيرا عن عزوف الشباب عن العمل السياسى، العزوف أمر مؤكد لدى بعض من الشريحة الجامعية، لكن هناك شبابا آخرين يشاركون مثلها فى العملية السياسية، ومعظمنا يصر على ألا يراهم، أو يتعامل معهم باعتبارهم مواطنين كاملى الأهلية، المشكلة ان البعض يريد أن يقصر فئة الشباب فقط على مجموعة من الناشطين السياسيين، الذين يظهرون فى وسائل الإعلام أو يشاركون بفعالية فى وسائل التواصل الاجتماعى. المؤكد أنهم رقم مهم فى المشهد السياسى وهم الأكثر تأثيرا والأعلى صوتا بالفعل، لكنهم أيضا ليسوا كل الشباب وبالتالى ليسوا كل المجتمع. واذا كانوا يعتقدون ان بعض المواطنين البسطاء «مضحوك عليهم»، فماذا فعلوا عمليا لتغيير هذا الامر؟!!.

السؤال مرة أخرى: لماذا لا يرى المجتمع السياسى نموذج هذه السيدة وغيرها كثيرون، الذين لعبوا دورا مهما فى الاستحقاقات الانتخابية الكثيرة منذ ٢٥ يناير ٢٠١١؟!.

ولماذا يصر بعض الذين يزعمون أنهم يمثلون المجتمع وضميره العام على عدم رؤية مشاركة هؤلاء الناس العاديين؟!.

أعرف أنه لا توجد إجابة نموذجية جاهزة، وأقدر منطق بعض المعارضين والناشطين السياسيين الذين يطالبون بفتح المجال السياسى العام أمام الجميع، وأدرك أكثر خطأ الحكومة فى «تحزيم وحصار» العملية الانتخابية قبل بدايتها الامر الذى ادى إلى يأس البعض ومنهم من شارك فى ثورة 30 يونيه، لكن كل ذلك لا يلغى أهمية مشاركة أكثر من ربع المجتمع فى المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية، وهناك تقديرات ان النسبة سترتفع مع نهاية المرحلة الثانية التى بدأت قبل يومين.

لنتفق أو نختلف كما نشاء مع الطريقة التى جرى بها الإعداد للانتخابات الراهنة وقوانينها وكل ما أحاط بها من ظروف صعبة، لكن علينا ونحن نفعل ذلك ألا ننسى أن جزءا من الناس العاديين ذهبوا إلى صناديق الانتخابات واختاروا من يمثلونهم، وبعضهم كان سعيدا وهو يفعل ذلك مثل هذا النموذج التلقائى والبسيط والنبيل للسيدة التى تبيع الفول.

يرتبط بذلك أيضا مشهد أبناء سيناء المحترمين الذين تحدوا أنفسهم ونزلوا للمشاركة فى الانتخابات، موجهين أقوى رصاصة فى صدر الإرهاب الغاشم. عندما ينزل هؤلاء ويتحدون إنذارات وتهديدات الإرهابيين، فإنهم يثبتون أنهم العامل الأكثر أهمية فى دحر الإرهابيين إن شاء الله. هذه الرسالة شديدة الأهمية ينبغى أن تتلقفها الحكومة، وأجهزة الدولة وتبنى عليها حتى نستطيع أن نعيد سيناء كاملة إلى حضن الوطن خصوصا مثلث العريش ــ رفح ــ الشيخ زويد.

على الدولة أن تحسم أمرها وتنحاز أكثر إلى أهالى سيناء على أرض الواقع وليس بالكلام والزيارات الإعلامية فقط. كل مواطن ذهب إلى صناديق الانتخاب واختار مرشحه بصورة نزيهة وجه ضربة كبيرة للإخوان والإرهابيين والمراهنين على الخارج.. والسؤال الاهم: هل ينجح البرلمان المقبل فى التصدى للتحديات الصعبة التى تواجه البلاد؟
عماد الدين حسين  كاتب صحفي