زمن التساؤلات الناقصة والإجابات الغائبة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زمن التساؤلات الناقصة والإجابات الغائبة

نشر فى : الجمعة 23 ديسمبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 23 ديسمبر 2016 - 9:15 م
مازلت أتساءل مع كل هذه المفجعات التى تنزل ببلاد العرب، هل من سبيل للدفاع عن حقنا فى الحياة فى حرية وكرامة وأمن؟ هل من سبيل للخروج من متواليات الاستبداد والإرهاب والجهل التى تخضعنا لطغيانها الأسود؟ هل من سبيل للخلاص، والعالم من حولنا يغرق فى أزمات نظم ديمقراطية تتحلل وديكتاتوريات تصعد على إيقاع مقولات فاشية وعنصرية وخطاب كراهية ومجتمعات تتعمق بها الهوة السحيقة الفاصلة بين من يملكون ومن لا يملكون؟ هل من حلول؟

***

قبل السنوات الثلاث الماضية، حضرت إجابات واضحة وبدت متماسكة معرفيا وأخلاقيا. حكم القانون والتداول السلمى للسلطة هما شرطا «البداية الجديدة» لبلدان العرب، ونتائجهما ستتمثل فى انفتاح سياسى وعدالة اجتماعية وصون لحقوق وحريات المواطنين ومساواة بينهم دون تمييز. التنمية المستدامة التى تطلق المبادرة الفردية وقوى السوق وتفرض على المؤسسات العامة والخاصة التزام قواعد الشفافية والمساءلة، والتحول الديمقراطى المدار عبر انتخابات دورية وآليات للرقابة والتوازن بين السلطات ومنظومة للعدالة الانتقالية تصارح قبل أن تحاسب بشأن جرائم وانتهاكات وفساد الماضى، والمجتمع التعددى والمتسامح المتجاوز لحروب الطوائف وصراعات الهوية والمنفتح على الآخر الدينى والعرقى والقبلى هى معا وجهة المستقبل القريب الذى نرنو إليه.

قبل السنوات الثلاث الماضية، لم يكن الجزع يعبث بعقلى حين تحدث أنباء بلاد العرب عن تعثر لبناء حكم القانون وغياب لتداول السلطة فى ظل سطوة المستبدين أو تخبر عن التهافت الشديد لإجراءات الانفتاح السياسى والعدالة الاجتماعية المحدودة أو تثبت امتداد نيران الحروب الطائفية والصراعات الأهلية إلى خرائط إضافية. حينها، كانت مقاومة الجزع ممكنة إن بالتعويل على الانتشار الحثيث للوعى بأهمية صون حقوق الإنسان والحريات بين المحيط والخليج أو بتعميم التفاؤل بالبواكير الناجحة للانتفاضات الشعبية فى تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا أو بالتحصن بأفضلية الديمقراطية على جميع أنماط الحكم الأخرى وبتفوقها التاريخى الراسخ مقارنة بالفاشيات وبنظم الاستبداد العسكرى والاستبداد الدينى والاستبداد القبلى وبكونها تنتصر لعموم الناس ولكرامتهم فى وجه نخب رجعية وفاسدة.

فى السنوات الثلاث الماضية، تراجعت الإجابات الواضحة واهتز تماسكها المعرفى والأخلاقى ونفذ الجزع إلى العقل عبر خانات شخصية ومساحات غير شخصية عديدة. بعيدا عن تونس، لم تقض الانتفاضات الشعبية فى 2010 و2011 و2012 على المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات. فبينما عانت مصر من جرائم العنف الرسمى والعنف الأهلى والعنف الطائفى وشهدت فى محمد محمود (1 و2) وماسبيرو ومن حولها وفى غيرها تورطا صريحا للحكم فى جرائم قتل وتعذيب واختفاء قسرى، انقلبت انتفاضات الناس فى ليبيا واليمن إلى حروب أهلية وجرائم إرهابية وحروب إقليمية بالوكالة وفى البحرين إلى تدخل خليجى لحماية الاستبداد وفى سوريا إلى حرب إبادة يشنها ديكتاتور دموى ومعه راعيه الروسيــالإيرانى على شعب نشد الحرية مستغلا اختراق عصابات الإرهاب للبلاد وتمددها فى جهاتها. ثم كان أن انسحبت مصر من المحاولة الديمقراطية فى 2013 وانقلبت على أعقابها مجددة لدماء السلطوية وسط أجواء شعبية فاشية وتعميم لنهج الصوت الواحد والرأى الواحد وانتهاكات غير مسبوقة للحقوق والحريات، وكذلك جاء الانهيار الشامل للدولة الوطنية وللسلم الأهلى فى ليبيا واليمن وصارت سوريا أرض دماء ودمار وإرهاب ومأساة ملايين اللاجئين ومئات الآلاف من سكان المنافى.

إزاء مشاهد الافتتان الشعبى ببدايات السلطوية الجديدة فى مصر بات التحصن بانتصار الديمقراطية لعموم الناس كالحرث فى البحر. صار توقع حدوث نجاحات فعلية لبناء حكم القانون وتداول السلطة والتحولات الديمقراطية بعد إزاحة المستبدين مدعاة للاستهجان المعرفى والأخلاقى على وقع الكارثة الليبية واليمنية. ومن توالى فصول مأساة الشعب السورى والاستمرارية المخجلة للصمت العالمى، أضحت مواجهة حديث المستبدين المكرور «إما أنا أو الطوفان» على نحو يكتسب تأييد قطاعات شعبية مؤثرة ويقنعها بعدم الانقلاب على الفكرة الديمقراطية أشبه بالصراع الأورويلى بين «قوات حفظ النظام» المدججة بالسلاح وبين المدافعين عن الحق والحرية بالكلمة والقلم.

فى السنوات الثلاث الماضية، جىء بالحسرة الشخصية على أصدقاء وزملاء ودعاة حق وحرية أسقطتهم كضحايا جرائم سلب الحرية والقمع والتعذيب والاختفاء القسرى والتعقب من أحمد ماهر وهشام جعفر إلى حسام بهجت وجمال عيد وبالحسرة العامة على ما آل إليه حال بلاد العرب التى لم يعد لها من حقائق كبرى غير الدماء والدمار والظلم ولم يتراجع بها طغيان متواليات الاستبداد والإرهاب والجهل، جىء بالحسرتين لكى ينفذ إلى العقل المزيد من الجزع والتشكك فى سبيل الخلاص.

فقط قبل أيام، رحل صاحب كتاب «نقد الفكر الدينى» الدكتور صادق جلال العظم فى منفاه الألمانى موصيا بإلقاء رماد جسده فى «بحر بيروت عله يجد طريقا للوصول إلى سوريا» (على ما أشار الأديب إلياس خورى). فقط قبل أيام، تفقد الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى حلب المدمرة فى مشهد يتماهى مع مشاهد تجول جنرالات النازيين فى خرائبهم الأوروبية فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. فقط قبل أيام، واصلت السلطات المصرية إغلاق «مكتبات الكرامة» لتضيف إلى السجل الأسود لانتهاكات الحقوق والحريات ومحاربة العقل والوعى جريمة جديدة. فقط قبل أيام، مات الصحفى الجزائرى محمد تامالت بعد إضرابه عن الطعام احتجاجا على سلب حريته بتهمة إهانة رئيس الجمهورية.

***

فكيف لى فى معية كل هذه المفجعات، مقدماتها وخواتيمها التى حتما سيتبعها المزيد، بإجابات واضحة على سؤال سبيل الخلاص؟ كيف لى بحديث متماسك معرفيا وأخلاقيا عن حكم القانون وتداول السلطة وصون الحقوق والحريات وجميع ذلك يهدر يوميا فى بلاد العرب؟ كيف لى بترويج مقنع للتنمية المستدامة والتحول الديمقراطى كوجهتى المستقبل القريب ومتواليات الاستبداد والإرهاب والجهل فى طور صعود عربى؟ كيف لى بدفاع عن أفضلية الديمقراطية وتفوقها التاريخى وأهل النظم الديمقراطية المستقرة يهجرونها ويضعون رهاناتهم على أصوات التطرف والفاشية والعنصرية؟

لا شىء معى سوى تساؤلات ناقصة وإجابات غائبة.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات