ثورة يناير هل كانت مؤامرة؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورة يناير هل كانت مؤامرة؟

نشر فى : الجمعة 24 يناير 2014 - 3:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 يناير 2014 - 3:40 ص

عقب تنحى مبارك وفى بدايات الفترة الانتقالية بدأت بعض الأصوات الهامسة تتحدث عن سلسلة من المؤامرات الكونية التى حدثت وأدت لاندلاع الثورة المصرية، وكنا نتعامل مع هذه الأفكار بنفس طريقة تعاملنا مع مؤامرة فاهيتا المزعومة لتفاهتها خاصة أن الأصوات التى تتهامس بهذا الكلام كلها تضع صورة مبارك كزعيم للأمة وكنا نشفق عليهم من صدمة ومفاجأة الثورة التى كسرت الديكتاتور وانتهت برحيله وأصابت بعضهم بلوثة من الجنون.

وتمر الأعوام الثلاثة على ذكرى الثورة وإذا بالأفاعى تخرج من جحورها وإذا بكثير ممن نافقوا هذه الثورة يكشفون عن وجوههم القبيحة وينفثون نار حقدهم الدفين ويخرجون ما فى قلوبهم من كراهية ويؤكدون أن عبيد الاستبداد يحنون إليه وأنهم تعاملوا مع الثورة كأزمة حاولوا استيعابها والقفز عليها والتهليل لها وغسل أيديهم من نظام مبارك رغم انهم كانوا من المطبلين له ومن المروجين لسيناريو التوريث.

لم يستح هؤلاء ومنهم بعض أصحاب الشعر الأبيض ومنهم من كان يحتفى بالثورة ويريد توثيق أحداثها كأعظم حدث شهدته مصر فى تاريخها الحديث على حد وصفه وإذا به يخرج اليوم يصفها بأنها مشبوهة، وآخر بلغ من العمر أرذله، وعاش خادما ومروجا لنظام مبارك يتحدث على أن ثورة يناير احتلال مدنى قامت به أمريكا لإيقاف تقدم مصر ونهضتها التى كان يقودها مبارك وابنه!

لا يخجل هؤلاء من تناقض مواقفهم ولا من نفاقهم، وهم يعتقدون أن تشويه ثورة يناير هو قربى وتزلف للنظام الجديد فى مصر الذى وضع فى ديباجة الدستور الجديد تقديره لثورة يناير، بينما على الأرض يترك كل الممارسات الهدامة والأبواق الناعقة للنهش فى الثورة حتى أصبحوا كمن يبتسم فى وجهك ويخفى خلف ظهره خنجرا يطعنك به بمجرد أن تستدير.

تستطيع بسهولة أن تخرج قائمة سوداء بأسماء هؤلاء المتحولين والأرشيف ممتلئ عن آخره بما يكشف وجههم القمىء، ولكن ماذا تفعل مع من فقدوا احترامهم لأنفسهم ويصرون على أن يسيروا لقبورهم بنفس النفاق والتدليس؟

<<<

حين نزل الشباب صبيحة يوم ٢٥ يناير كانت ثورة تونس شرارة الأمل التى ألهبت الحماس، وكانت المطالب المرفوعة إلغاء حالة الطوارئ وإقالة وزير الداخلية وايقاف مسلسل التوريث وإقرار حد أدنى للأجور، وجسد الشعار الثلاثى الذى توحد عليه الشباب عيش حرية عدالة اجتماعية هذه المطالب، ولكن بعد قمع داخلية مبارك للمتظاهرين بعنف وتمكن الشباب من دخول ميدان التحرير قبل غروب الشمس بدأ الهتاف الشعب يريد إسقاط النظام.

قبل فض الاعتصام الذى بدأ فى ميدان التحرير مساء الثلاثاء ٢٥ يناير لم نكن نعرف حين وصلنا لميدان التحرير ما هى الخطوة القادمة، فوصولنا لميدان التحرير كان مفاجأة لنا واعتبرنا ببراءتنا وسذاجتنا أن هذا انتصار ساحق وأن مصر ستتغير بعد هذه الخطوة، ولكن عقب منتصف الليل بقليل انهالت علينا قنابل الغاز والطلقات فى عملية إخلاء وحشى للميدان وفض إجرامى لبدايات الاعتصام الذى أعلناه عبر اذاعة التغيير التى بثها الشباب عبر بعض الميكروفونات البدائية بالميدان، كنا نخرج من الميدان تحت وطأة الإصابات والاعتقالات، ولكننا كنا ننظر فى عيون بعضنا البعض ونقول لأنفسنا إنا لعائدون.

غباء النظام وتكلسه وعجزه عن قراءة المشهد مهد ليوم الثورة الحقيقى فى جمعة الغضب التى تحولت فيها الثورة من هبة شبابية إلى ثورة شعبية بامتياز شارك فيها كل شرائح المصريين، ولا يستطيع أى تنظيم ولا كيان ولا أشخاص أن يدعوا أنهم السبب فى ذلك لأن السبب الأكبر فى حشد الناس كان سقوط الشهداء فى السويس وقطع الاتصالات وحدة القمع خلال الأيام الثلاثة التى سبقت جمعة الغضب مع تراكم كبير للقهر والغضب من هذا النظام القاتل للمصريين على مدى ثلاثين عاما.

<<<

أمريكا التى يتحدثون عنها لم تكن مؤيدة للثورة وفوجئت بها مثل نظام مبارك الذى كانت تراه هى وإسرائيل كنزا استراتيجيا لها وظلت حتى آخر لحظة متمسكة بنظام مبارك إلى أن أدركت فى اللحظات الاخيرة أن الامر قد انتهى والشعب قد خلع الديكتاتور فغيرت موقفها بعد أن قال الشعب كلمته وفرضها على الجميع.

نعم كانت الثورة حلما لبعض الصبية الذين كان أكبرهم فى بداية الثلاثين من العمر، وحول غباء النظام وبطء فهمه الحلم إلى حقيقة صقلتها دماء الشهداء التى روت أرض مصر وأقسمت على التغيير، وهكذا يقول التاريخ إذا سالت الدماء فإنها تروى شجرة الحرية ليصبح التغيير قادما لا يستطيع أحد إيقافه.

لم يتآمر الثوار مع أحد فقد كانت براءتهم هى مفتاح النجاح، ولو كانوا على هذا القدر من الوعى لأدركوا معنى الثورة الكلاسيكى الذى تتطاير فيه رؤوس النظام الحاكم على أعواد المشانق، ولكنهم عزفوا الحلم برومانسية بالغة يراها الكثيرون الآن سذاجة ويراها الثوار نبلا ورغبة فى بقاء الثورة بيضاء كقلوب من شاركوا فيها.

ويل لمن يعتقد أن الحلم قد تم إجهاضه وأن سوط الجلاد سيعود ليهوى على ظهور المصريين مرة أخرى وسيصمتون، إن الثورة كسرت حاجز الخوف ولن يعود مرة أخرى فمن شاب المدرعة إلى شباب يشتاق للموت ويفتح له صدره ليلحق برفاقه، مهما خّيل لبعضهم أن الوهج قد أُخمد فإن النار تحت الرماد وهناك جيل لم يعد لديه ما يخسره لذلك فطلبه للحرية وحلمه بالديمقراطية سيكتمل رغما عن أنف من يريدون إعادة عقارب الساعة للوراء، أما الواهمون فنقول لهم لا تصارعوا سنن الكون ولا تقفوا فى وجه عجلة الزمان الذى دار بالتغيير واتعظوا ممن علا ثم هوى، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات