المواطنة الشاملة حق دستورى - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المواطنة الشاملة حق دستورى

نشر فى : الجمعة 24 فبراير 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 24 فبراير 2017 - 9:45 م

المواطنة هى علاقة قابلة للمساءلة بين الدولة والأفراد الذين يعيشون فى أراضى هذه الدولة، وتشمل المواطنة أيضا العلاقة بين الأفراد داخل الدولة. وأهم الملامح الأساسية للمواطنة أن تكون الدولة مسئولة أمام مواطنيها، وأن يكون المواطنون قادرين على مطالبة الدولة بحقوقهم، وأن تلتزم الدولة بتفسير أفعالها للمواطنين، وأن تكون الشفافية والمصداقية هى معيار التعامل. وأن يكون المواطنون قادرين على محاسبة الدولة إن كانت أفعالها غير مرضية لهم أو تضر بمصالحهم. وأن تقبل الدولة هذا النقد دون أن تعاقب من يختلف معها تطبيقا للديمقراطية والدولة المدنية الحديثة. الآن بكل أسف تعيش مصر حالة من غياب هذه الملامح، فلا المواطنون قادرون على المطالبة بحقوقهم ولا الدولة لديها تفسير عن حالة التردى المعيشى التى آل لها المواطنون والأزمة الاقتصادية التى استفحلت، فقد اتخذت الحكومة قرار تعويم الجنيه ظنًا منها أن ذلك فى مصلحة ارتفاع قيمة الجنيه بعد فترة ولكن ما حدث كان العكس تماما دون أى تفسير واضح من قبل الدولة من وضع رؤية مستقبلية لما يحدث وتوقيت زمنى لنهاية هذه الأزمة.
وقد أشير للمواطنة فى أكثر من مادة فى الدستور المصرى 2014. ففى المادة الأولى نظام الحكم فى مصر جمهورى ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. والمادة الرابعة السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ويصون وحدته التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين. وفى مواد أخرى يقوم النظام السياسى على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينهم. فى المادة 8 – 9 المجتمع المصرى يقوم على التضامن الاجتماعى والدولة تلتزم بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز. كما أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
***
المواطنة الشاملة هى قدرة الدولة على استيعاب كل المواطنين وأن يحدث الشمول العام للمواطنين دون أى استبعاد أو اقصاء. وتقاس جودة المواطنة بقدرة الدولة على مواجهة كل الحواجز والعراقيل التى تمنع فئات معينة من التصرف كمواطنين كاملى المواطنة. فكلما ارتفع معدل الإقصاء كلما انخفضت حقوق المواطنة. والإقصاء هنا هو عملية يحرم بموجبها مجموعات معينة داخل المجتمع بشكل منهجى بسبب التمييز ضدها بناء على الهوية أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية. وعمليات الإقصاء هذه تعزز اتجاهات اجتماعية سائدة وموروثات واعتقادات يجب أن تواجه وتحارب حتى نحقق مبدأ المواطنة الشاملة عن طريق الممارسة والثقافة. ولتحقيق ذلك يجب أن يفعل ما طلب به الدستور من انشاء وتفعيل مفوضية منع التمييز.
هناك أربعة أبعاد للمواطنة: البعد الأول هو المواطنة الرسمية أو القانونية وهو أن يعتبر المواطن عضوا رسميا فى مجتمع سياسى منظم وهذه العضوية تمنح المواطن حقوقا وامتيازات وتفرض عليه واجبات والتزامات. البعد الثانى يختص باستحقاق تلك الحقوق والتمتع بها كاملة سواء كانت مدنية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. البعد الثالث يختص بقدرة المواطن على المشاركة النشطة فى العملية السياسية. والبعد الرابع يخص الشعور بالانتماء أى بالروابط العاطفية والشعورية التى تربط الفرد بالمجتمع والدولة. وليس بالرقابة على كل من يختلف فى الرأى أو يحتج عن طريق تلفيق التهم الجاهزة ووضع المختلفين فى السجون أو إبعادهم عن وسائل الاتصال المختلفة مثل الظهور فى القنوات التليفزيونية أو منعهم من الكتابة. لأن الاختلاف فى الرأى رحمة.
***
أيضا هناك أربعة مجالات للمواطنة الشاملة وهى المجال المدنى الذى يعبر عن طريقة الحياة حيث يحدد المواطنون أهدافا مشتركة ويسعون لتحقيقها كما يحدد هذا المجال القيم الأساسية للمجتمع وحدود صنع القرار الحكومى وعلاقته بالمواطنين. والمجال المدنى يشمل أيضا حرية الرأى والتعبير والمساواة أمام القانون وحرية إنشاء الروابط والجمعيات وحرية الوصول للمعلومات. وهذا المجال يكاد يكون مختفيا فى مصر الآن فهو يحاصر بين قانون من المفترض أنه ينظم التظاهر ولكنه فى حقيقته يقيد ويمنع التظاهر وبين قانون آخر يقيد ويعدم العمل المدنى للجمعيات الأهلية وبين حقيقة نعيشها دوما وأبدا وهى صعوبة الوصول للمعلومات الحقيقة واعتبارها دوما من الأسرار التى لا يجب تداولها رغم أنها حق.
المجال الثانى هو المجال السياسى وهو يتضمن الحق فى التصويت والمشاركة السياسية وتنظيم انتخابات حرة والحق فى السعى لتولى المناصب السياسية بحرية. وهنا للأسف نفتقر إلى تولى المناصب بمعايير الكفاءة ويتدخل دوما عوامل الدين والجنس وأهل الثقة فى اختيار بعض المناصب فى نظام الحكم. وهذا لا يؤدى إلى دولة مدنية حديثة بدون فتح المجال السياسى على مصراعيه. وهل اختيار الشركاء فى الحكم على أساس أنهم أهل ثقة دون النظر إلى معايير الكفاءة والنزاهة وعدم توليهم مناصب أفسدوا فيها سابقا؟ ولو قدموا إقرار ذمة مالية قبل أن يتولوا هذه المناصب.
المجال الثالث هو المجال الاجتماعى والاقتصادى وهو يشمل الحق فى التأمين الاجتماعى والصحى والحق فى العمل والتعليم والسكن؛ بمعنى آخر الحق فى الحد الأدنى من مقومات الحياة. وهنا الصراع قائم والنضال مستمر حول هذه الحقوق وخصوصا للطبقات الكادحة التى تحرم من هذا الحد الأدنى من مقومات الحياة. وأخيرا المجال الرابع وهو المجال الثقافى ويتعلق بالوعى بالتراث الثقافى المشترك وزيادة التنوع الثقافى والاعتراف بالحقوق الجمعية للأقليات وضد جميع صور التمييز على أساس الانتماء إلى جماعة أو فئة بعينها.
والدولة التى لا تحقق لمواطنيها السعادة والعيش الكريم والحرية لن تكون دولة مدنية حديثة.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات