خمسون ظلا للرمادى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمسون ظلا للرمادى

نشر فى : الثلاثاء 24 مارس 2015 - 1:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 مارس 2015 - 1:10 م

عجيب أمر هذا الفيلم المحظوظ، فهو لا يستحق الرواج الذى يحققه، وليس به ما يستدعى الضجة التى يثيرها.. لكن، أغلب الظن، أن خطة الدعاية التى رسمت له، جاءت بنتائج مبهرة. شركة الإنتاج اختارت رواية واسعة الانتشار، متواضعة أدبيا حسب تقييم النقاد، صدرت منذ أربع سنوات، بقلم البريطانية إى إل جيمس، باعت عشرات الملايين من النسخ، وأقامت إحدى المحاميات قضية ضد مؤلفتها، لأن كتابها، بخياله المريض، تسبب فى انهيار علاقات زوجية، وفيما يبدو أن أوصاف النقاد للعمل بأنه «حضيض الانحطاط»، و«النسخة المبتذلة لحكاية سندريللا»، أثار حب الاستطلاع عند القراء، خاصة بعد سحبها من بعض المكتبات الأمريكية، على اعتبار أنها من «النوع الإباحى».

أثناء تنفيذ الفيلم، أحيطت أخباره بقدر كبير من التكتم الغامض. ثم ظهر شريط الدعاية الذى يستغرق دقيقتين، مدججا بلقطات سريعة، توحى أكثر مما توضح، مدعوما بصوت المغنية الشهيرة، بيونسيه، وفيما يشبه الهستيرها الإلكترونية، تناقلت وسائل الاتصالات الشريط، ليشاهده عشرات الملايين.

أخيرا، عرض الفيلم فى العديد من دول العالم، مع منع حضوره لمن يقل أعمارهم عن «17» عاما فى أمريكا و«18» فى إنجلترا، و«17» فى فرنسا، و«21» فى لبنان، و«16» فى المغرب.

بعيدا عن اللغط حول الفيلم، وبعد مشاهدته، تدرك أنه أقل من التوقع فى كل جوانبه، فهو لا يصل فى جرأته إلى حد «التانجو الأخير فى باريس» لبيرتولتشى 1972، وبطله، «جيمى دورنان»، الذى أدى شخصيته كريستيان جراى، يتسم بدرجة ما من البرود، وباهت، يفتقر إلى اللمسات الإبداعية الخاصة، على النحو الذى يتمتع به ذو النزعة السادية عند ألفريد هيتشكوك. ومخرجته، سام تايلور وود، لا تملك مهارات رومان بولانسكى، أو غيره من المرموقين.

يعتمد «خمسون ظلا للرمادى» على شخصيتين أساسيتين، والبقية، مجرد كومبارس «ناطق».

كريستيان جراى، شاب وسيم، متألق، مليونير، صاحب مؤسسات دولية، فى مجال الاتصالات، والزراعة فى أفريقيا، ليس حبا ورحمة بأطفال القارة الجوعى، لكن باعترافه، من أجل توسيع نفوذه وفرض هيمنته، تلك النزعة التى تمكنت منه تماما، فامتدت، حتى إلى البشر.

اختيار الروائية لاسم «جراى» فى تقديرى، له عدة دلالات، فمعناه، يقترب من اللون «الرمادى»، لون الدخان، المتعدد الدرجات، يبدأ من الأبيض الناصع ليصل إلى الأسود الفاحم.. كذلك يحيلنا الاسم إلى «دوريان جراى» فى رواية أوسكار وايلد الشهيرة، بل يمتد التشابه إلى ما هو أبعد، كريستيان، تماما كدوريان، مفتون بصورته، فبينما بطل أوسكار وايلد يتأمل، معجبا، الوحة الناصعة التى رسمها له فنان قدير، يطيل بطل «خمسون..» النظر فى المرآة، مستمتعا، بشكل جسمه الرياضى، ووجهه المتسق التقاطع، الموحى بالثقة، برغم أنه ــ كما الحال عند وايلد ــ يخفى تحته، بركانا من الشر.

بطلة الفيلم، أنستاذيا، فتاة رقيقة، مثقفة، دراسة للأدب البريطانى، تحب شارلوت وإميلى برونق، لكنها تعشق توماس هاردى، وبالتحديد، روايته الحزينة «تسى من دوربيرفيل»، التى يحكى فيها عن مشوار «تسى» فى دروب حياة قاسية ومجتمع لا يرحم.. أناستازيا، القادمة من بيئة متواضعة، تؤدى دورها، على نحو لا يخلو من شفافية، داكوتا جونسون، الأعمق حضورا، والأكثر تفوقا، من جيمى دورنان،.

يبدأ «خمسون..» بذهاب أنستاذيا إلى مكتب جراى الفاخر، لإجراء حوار معه.. تنبهر به بقدر انبهاره بها، والأسباب مختلفة. هو معجب بجسدها، وهى مأخوذه بثرائه الواضح.. سريعا، يحدث التجاذب، وتتكشف سواتر: جراى، ليس «مثليا» كما يشاع عنه، سرا، لكن كائن سادى، موغل فى وحشيته، حجرته السرية تمتلىء بوسائل التعذيب: حبال، قيود، سياط، أسياخ.. ولا توجد سكاكين.. تتوالى اللقاءات، ولأنها تجنح إلى العلاقات السوية، فإن رغبته فى الهيمنة عليها تزداد. يحاول إبهارها بما يملك من عربات وطائرة خاصة ومال، وهى تعجب بكل هذا، لكن ليس إلى درجة الإذعان التام.. جراى، الأقرب إلى الشيطان، وعلى طريقة «مفيستوفليس» مع «فاوست»، يعرض «جراى» على أنستاذيا، توقيع عقد، بموجبه تسلمه جسدها، وروحها، مقابل كل ما تريده.. وإذا كان «فاوست» قد استجاب للغواية، فإن أنستاذيا ينتهى بها المآل إلى رفض الصفقة، رفضا باتا ونهائيا، برغم غلالات الدموع التى تغلف عينيها وعينيه.

«خمسون ظلا للرمادى» فيلم مثقل بالأفكار، يدخل فيما يشبه الحوار، مع أعمال أدبية ذات شأن يتأمل الألوان المراوغة للهيمنة والقسوة واللذة والملكية، وأيضا، شجاعة الرفض أيا كان حجم الإغراء.. وهذه كلها إيجابيات، لم تستطع المخرجة أن تبرزها بأسلوب سينمائى مشوق، ذلك أنها استسلمت لمتابعة حوارات مستفيضة، داخل أماكن مغلقة، بعيدة عن دفء الحياة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات