النساء والعمل: عبء مزدوج وقضايا مسكوت عنها - هند أحمد زكي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النساء والعمل: عبء مزدوج وقضايا مسكوت عنها

نشر فى : الجمعة 24 أبريل 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2015 - 10:12 ص

صورتان انتشرتا على مواقع التواصل الاجتماعية فى أسبوع واحد وفجرتا جدلا من نوع خاص. الصورة الأولى تظهر موظفة محجبة فى منتصف العمر تعمل بإحدى الهيئات الحكومية وهى تقوم بتقشير الخضروات أثناء تأدية عملها وسط تعليقات عديدة تستهجن هذا السلوك وتنعت صاحبته بالتكاسل والاهمال باعتبارها تمثيل مجسد لكل شرور المؤسسات البيروقراطية المصرية ودليل على انعدام المهنية والكفاءة التى تميز النساء عموما. الصورة الثانية تظهر فيها صحفية شابة أثناء قيامها باستقصاء للرأى فى أحد شوارع العاصمة وهى تحمل طفلها على يديها. أثارت الصورة الأخيرة ردود أفعال متباينة تراوحت ما بين استنكار «البهدلة» التى تعرض لها الطفل بسبب طبيعة عمل أمه، إلى تمجيد الأم الوحيدة المكافحة التى تتحمل عبء تربية طفلها بمفردها.

إن تأمل ما فجرته الصورتان من نقاش حول أدوار النساء داخل وخارج المنزل، يقودنا لعدد من المسائل المسكوت عنها والتى تكمن وراء معظم الجدل السائد حول عمل النساء بعد مرور أكثر من قرن كامل على بدء دخول النساء لسوق العمل فى مصر بأعداد مطردة. إن الدور الإنجابى للنساء، أى مجموع جميع الأعمال المنزلية الرتيبة واليومية وكل الأنشطة الخاصة برعاية للأطفال وأحيانا كبار السن أيضا، يمثل حزمة من الأنشطة الاقتصادية غير المرئية أو محسوسة، وغير المحسوبة اقتصاديا سواء فى حسابات الناتج المحلى الإجمالى للدولة، أو فى حسابات المواطن العادى للدخل والمصاريف. إن تلك المعاناة غير المرئية تمثل عبئا مزدوجا على النساء جميعا نظرا لقيام النساء بتلك الأدوار «الإنجابية»، بالإضافة إلى أدوارهن «الإنتاجية» أى عملهن خارج المنزل بدون مساعدة من الرجال، على الأقل فى الأغلبية الساحقة من الأسر المصرية. ولا يكتفى المجتمع هنا بمطالبة النساء بأداء الدورين معا على أكمل وجه، بل يحاسب النساء حسابا عسيرا لدى حدوث أى تقاعس باعتبارها موظفة كسولة أو أما فاشلة، بدون الأخذ فى الاعتبار صعوبة التوفيق بين تلك الأدوار فى ظل تعقد المجتمع وغياب شبكات الأمان والمساعدة التقليدية التى كانت توفرها الأسر الممتدة للنساء. وتزداد خطورة المسألة إذا ما أخذنا فى الاعتبار أن ثلت الأسر المصرية وفقا لآخر الإحصائيات، تعولها نساء يقمن بكل تلك الأدوار بلا أى مساعدة تقريبا.

•••

إن الحديث عن عمل النساء داخل البيت يتطلب الحديث عن عدة مسائل مسكوت عنها تتعلق بدور الدولة وعلاقات العمل والإنتاج فى مصر فى المجمل، وأيضا مساهمة الرجال فى تحمل قسط من العبء الذى تقوم به النساء بشكل يومى بلا كلل. المسألة الأولى هى مسئولية الدولة المصرية والتى تنص المادة الحادية عشرة من دستورها الحالى على ضرورة التزام الدولة بتمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وبتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا. فالدولة وفقا للدستور مسئولة عن إلزام أصحاب العمل بتوفير دور رعاية للأطفال فى أماكن العمل وكذلك توفير نظام عمل مرن يتيح للنساء أن يقمن بأدوارهن الإنجابية بدون أن يكن مطالبات بدفع ثمن ذلك سواء عن طريق الحرمان من التوظيف أو الترقى بحجة عدم تفرغهن للعمل، أو عن طريق دفع مبالغ باهظة ليست فى متناول أغلب الأسر المصرية سواء لدور حضانة خاصة، أو لتوظيف عاملات منازل يقمن بدلا منهن بتلك المهام، أى إنهن يقمن بتوظيف نساء أخريات أفقر للقيام بتلك الأدوار بدون توفير الحد الأدنى من شروط السلامة الشخصية والضمان الاجتماعى والتأمين الصحى لهن.

إن الحديث عن عاملات المنازل يأخذنا للمسألة الثانية، وهى كيف يتم تقنين العبء المزدوج للنساء عبر جعل العمل المنزلى سواء كان عملا بغير أجر أو عملا بأجر نشاط اقتصادى غير مرئى، أى جزء من الاقتصاد غير الرسمى القائم على علاقات عمل وإنتاج غير عادلة وغير إنسانية فى أغلب الأحوال. المسألة الثالثة والأخيرة تتعلق بدور الرجال وضرورة مساهمتهم فى تربية الأطفال وأعمال المنزل بشكل أكبر إذا ما أردنا تخفيف العبء على النساء. فالمجتمع قلما يطالب الرجال بالقيام بتلك الأدوار، بل يتعرض من يقومون بها للاستهجان باعتبارها أمورا تخص النساء فقط.

•••

إن فتح نقاش موسع حول العبء المزدوج للنساء أمر ضرورى، فتخفيف هذا العبء يتطلب بالأساس أن تنهض الدولة بمسئوليتها فى هذا المجال عبر إجبار أرباب العمل على توفير حضانات للأطفال فى أماكن العمل، وتقنين العمل المنزلى بأجر بشكل يمنع استغلال النساء الأكثر فقرا، وتشجيع الرجال على مساعدة النساء فى القيام بتلك الأدوار وخاصة فيما يتعلق برعاية الأطفال، ليس فقط لتخفيف العبء الكبير الذى ترزح النساء تحت كاهله بشكل يومى، ولكن من أجل خلق علاقات عمل وإنتاج أكثر عدالة ومساواة فى مجتمعنا ككل.

هند أحمد زكي باحثة بالعلوم السياسية ودراسات النوع الاجتماعى، وطالبة دكتوراه فى العلوم السياسية بجامعة واشنطن فى سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية.
التعليقات