المقاومة المدنية والتمرد ضد الفشل - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المقاومة المدنية والتمرد ضد الفشل

نشر فى : الجمعة 24 مايو 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 مايو 2013 - 8:55 ص

المقاومة المدنية، هى منهج يتبعه المواطنون المدنيون فى إجبار السلطات لتحقيق مطالبهم عبر الفعاليات التى يتخذونها ضد السلطات إما بوقف التعاون أو باللجوء إلى أشكال أخرى من الأساليب السلمية للاحتجاج.

 

أنشطة العصيان المدنى هى عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون، هدف النشاط المباشر أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة معينة فى المجتمع. ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدنى تقوم أنشطته على التحدى، فلا تقيده قوانين النظام أو قراراته، وإن كان أحيانا يتم عبر القوانين ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطا بعينه أو يمنعها من نشاط أو يفرض عليها ميدانا بعينه.

 

المقاومة المدنية تحقق النجاح أكثر من الفشل، ويتضح ذلك مع أشد الأنظمة قمعية حيث تبين أن من بين 30 حالة مقاومة مدنية فى بلدان تحكمها نظم مستبدة نجحت 21 تجربة مقاومة مدنية.

 

نجحت المقاومة السلمية فى صربيا وتونس ودول أخرى فى تغيير الأنظمة ونجحت فى مصر فى إجبار مبارك على التخلى عن منصبه وفى تحويل اتجاه الجيش لصف الشعب.

 

المقاومة المدنية لا يكون هدفها فى كل الحالات إسقاط النظام بل قد يكون الهدف منها الضغط لحل مشكلة أو إقرار قانون أو منع تشريع أو المطالبة بحقوق ما، مثل حركة تحرر العبيد وتحقيق المواطنة الكاملة للسود فى أمريكا والحصول على حق التصويت للنساء فى بريطانيا ومنع تجارة الأسلحة فى السويد وحملات حماية البيئة.

 

حركة المقاومة السلمية الناجحة هى التى تنوع فى وسائلها وتجعلها سهلة وفى متناول أى مواطن بسيط.

 

الحركة السلمية فى شيلى تحت نظام بينوشيه الذى مارس القمع والتعذيب والإخفاء القسرى، كانت التظاهرات الشعبية شبه مستحيلة. فابتدأ المواطنون فى عام 1983 بالتعبير عن احتجاجاتهم، بطريقة متميزة، حيث عمدوا إلى قرع الأطباق والأوانى فى كل مكان، فى دلالة على التأييد الشعبى للحركة المدنية السلمية. ثم أضافوا إلى ذلك فى وقت لاحق الخروج إلى الشوارع يغنون بقرب زوال نظام بينوشيه مما دفع النظام لمنع هذا الغناء. واستطاعت المعارضة بعد تلك التجربة السلمية أن تحشد المواطنين بمختلف مكوناتهم بالتصويت بعدم إعادة انتخابه.

 

••• 

 

حركة المقاومة المدنية يجب أن تعمل على استقطاب كل القوى الشعبية وبخاصة الأغلبية الصامتة وأن تبتعد عن الخطاب المتهور وغير المسئول الذى لا يتماشى مع منطق الثورة السلمية فلا تجريح ولا اتهامات باطلة ولا كذب على الناس ولا تهديد بقدرات غير موجودة لأن هذا يهدم مصداقية حركة المقاومة ويزيد من احباط الناس بعد أن ينكشف الوزن والحجم الحقيقى لحركة المقاومة.

 

وقد تتصاعد حركة المقاومة المدنية لتصل إلى مرحلة العصيان المدنى الذى لا ينجح إلا اذا توفرت الظروف الآتية:

 

وجود قضية شعبية ومشكلة تمس الجماهير مباشرة، ووعى قيادات التغيير بفكرة العصيان المدنى وعيا عميقا، وآليات وعقبات وفرص حدوثه وإستراتيجيات صناعته، وتوعية الجمهور به كأداة فعالة.

 

مع سوء إدارة النظام للصراع بينه وبين المعارضة وإيصال الأوضاع إلى انسداد تام

 

مع النجاح فى إحداث ثورة فى العقول حتى يستجيب الناس للدعوة إلى العصيان وينتقلوا إلى موقع الفاعل مؤمنين بإمكانية الفعل لذلك تسبق العصيان عادة أنشطة فى الشارع قد تستمر لفترة يتركز هدفها فى تحرير العقول، وتصحب ذلك قدرة تنظيمية على تفعيل القاعدة الجماهيرية الكبيرة المتضررة بشكل كبير، وقدرة تخطيطه على إجابة سؤال وماذا بعد العصيان؟ وهذا يعنى ببناء بديل يطمئن الناس لوجوده وقدرته على تسلم زمام الأمور .

 

تفشل حركة المقاومة المدنية اذا وضعت للناس هدفا غير منطقى وغير قابل للتحقق، وتندثر الحركة اذا استعجلت وقامت بدعوة الناس للاحتشاد للحظة مفاصلة لم تستعد لها جيدا ولم تتأكد فيها من قدرتها على الحشد وبانتهاء هذه اللحظة واخفاق حركة المقاومة فى تحقيق ما وعدت الناس به يزداد النظام الحاكم قوة وثباتا ورسوخا ويتعامل بقمع أشد مع أى حركة مستقبلية.

 

بإسقاط هذه الضوابط على الحالة المصرية الراهنة نجد أن المعارضة فى مصر لم تركز فى العمل والتفاعل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية وحصرت نفسها فى القضايا السياسية فقط وهى عادة لا تجذب اهتمام المواطن البسيط الذى يشعر أنها معركة لا تعنيه بخلاف همومه ومشاكله اليومية.

 

ومع استمرار حالة الفشل والعجز فى إدارة الدولة وتفاقم مشاكل مثل انقطاع الكهرباء وغيرها يهدى النظام الحاكم الفرصة لحركة المقاومة المدنية أن تتحرك وتكتسب أرضية شعبية واسعة اعتمادا على حالة السخط العام تجاه هذه الظروف.

 

•••

 

قد تكرر حركة المقاومة المدنية النشطة الآن أخطاء الماضى وتتعجل قبل التجذر الشعبى الحقيقى وبناء الوعى الذى يقود الجماهير لمسار احتجاج ثورى أو لمسار انتخابى يغير معادلة الحكم، واذا حدث هذا فلن يعدو الحراك الحالى مجرد نشاط مؤقت سيخفت بريقه مع تداعى الأحداث ومرور الأيام.

 

أبعدوا النخبة السياسية التقليدية على نشاط المقاومة المدنية ودعوها فى ارتباكها  وتناقضها المستمر لأنها ستخذلكم فى اللحظة الفارقة، كونوا أنفسكم واصنعوا تجربتكم وتذكروا الحكمة الرائعة (من الغباء أن تكرر نفس الفعل بنفس الطريقة ثم تنتظر نتيجة مختلفة).

 

البيئة مهيأة تماما لإحداث تغيير إيجابى فى مصر عبر تركيز الضغط الشعبى لتصحيح المسار أو تغيير النظام بشكل سلمى يحفظ للديمقراطية قواعدها وآلياتها، أكثر ما أخافه هو ظهور دعاة العنف فى المشهد لإفشال حركة المقاومة المدنية وإعطاء النظام المبرر لقمعها وحصارها، احذروا من أصحاب النزق والرعونة ودعاة الفوضى وابتعدوا عن أهل السياسة فطريقهم ليس طريقكم وهدفهم ليس هدفكم ولا تكونوا مطية يركبونها لتحقيق أغراضهم، الأمل باق والحلم لا يموت.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات